قد يؤمن اللبنانيون بألعاب الخفة التي تجعل المستحيل "يسيرا" أمام أعينهم، وقد يؤمن بعضهم أيضا بألعاب "التبصير" و"ضرب المندل" وغيرها، ولكن لا يؤمن اللبنانيون بالسحر والسحرة، والحديث عن انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة الغد لا يعدو كونه "عملاً سحريًا" لا يدخل العقول ولو دخل قلوب البعض.

لم تكن زيارة رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ الى رئيس تيار المردة ​سليمان فرنجية​ يوم أمس كسابقتها، ففي المرة السابقة أكد الحريري تمسكه بفرنجية رئيسا للجمهورية مع نقطة على السطر، ولكنه أمس حسبما علمت "النشرة" أبدى انفتاحا على مرشحين آخرين تحملهم "السلة" التي تحدث عنها رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

لا يقف بري عائقا امام أي إسم، فمرشحه هو "السلة"، الامر الذي يعني بحسب مصادر مطلعة على موقف بري أن الاتفاق على اسم الرئيس لا يكفي لانجاز الاستحقاق، بل يجب التشاور والاتفاق بين الفرقاء السياسيين على كيفية تسيير الحكم خلال فترة الرئاسة، وتحديدا شكل الحكومة وقانون الانتخاب واسم قائد الجيش والموقف من اتفاق الطائف. وتضيف المصادر: "ليس المقصود هنا تقييد حركة رئيس الجمهورية ولكن التجارب الماضية تشير الى وجوب الاتفاق على الأمور الاساسية في ولاية الرئيس"، مذكرة كيف وقع الخلاف بين فريق واسع من اللبنانيين والرئيس السابق اميل لحود، وكيف اصطدم ببري في بداية عهده، وأيضا كيف اشتعلت النار في علاقة الرئيس السابق ميشال سليمان مع فريق كبير من اللبنانيين، وكيف تواجه مع بري في نهاية عهده، معتبرة ان الإتيان برئيس على خلاف سياسي مع الفرقاء السياسيين يعني استمرار ازمة الفراغ ولكن بصيغة اخرى.

وترى المصادر ان هذه التجارب رسّخت فكرة "التفاهم" على ادارة الحكم مع أي رئيس مقبل قبل انتخابه، مشيرة الى ان التشاور حول أي رئيس نريد قد بدأ في الساعات الماضية ولدى الجميع ما يقوله في هذا الإطار. وتضيف: "ان الاتفاق على السلة يريح حزب الله في مكان ما، فالحزب يرفض ان يكون رئيس حزب القوات سمير جعجع صانعا للرؤساء".

وتشير المصادر الى ان تاريخ لبنان الحديث رسم خارطة الطريق لوصول الرؤساء الى كرسي بعبدا، وفي هذه الخارطة لم تكن يوما مواقف اللبنانيين هي الفاصلة بل مواقف الدول الخارجية، وهي في هذا السياق لم تتبدل ومن الصعب ان تتبدل حاليا، "فهل من الممكن انتخاب رئيس لبناني قبل الرئيس الاميركي؟" وتدعو المصادر الى التدقيق في حديث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس عن سوريا وقوله: "لا آفاق للحلول السياسية في سوريا وتبقى الكلمة الفصل للميدان، والوضع يزداد تعقيداً، خصوصاً بعد التوتر الاميركي الروسي واستمرار أزمة الثقة بين الطرفين، وأن السعودية ماضية في الصراع بالمنطقة الى ذروته"، معتبرة ان هذا الحديث يشكل رسالة الى المعنيين بأن الحلول تأجلت، وان الصراع اشتد بعد ان شعر البعض ان الحلول قد أخذت طريقها نحو التطبيق مع اعلان الهدنة في سوريا منذ أيام.

في المقابل تعتبر مصادر اخرى مطلعة أن قرار انتخاب رئيس للجمهورية ليس بيد الحريري، وهو لم يكن يوما في يده، مشيرة الى ان الامور متجهة نحو أزمة تواكب الأزمات التي عادت واندلعت في سوريا والمنطقة. وتقول: "نتمنى وصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة ولكن ما يشاع من تفاؤل في الوقت الحالي هو تفاؤل مستحيل".

رغم كل الحركة التي نشاهدها اليوم في الصالونات السياسية تبقى الحلول "الواقعية" مؤجلة، وهنا التشديد على كلمة "الواقعية" اذ ان المعجزات قد تحصل بقرار "ربّاني" يغير كل المعطيات. لا يبشّر الوضع اللبناني بالخير، فاعترافات الارهابيين الاخيرة أظهرت "نيات" مبيتة بضرب لبنان، وعودة التظاهرات الى الشارع باتت قاب قوسين او أدنى سواء عبر تحركات الأحزاب، او النقابات، وقد يذكرنا التوتر الحالي بتوترات ما قبل 7 أيار 2008، ولو بصور مغايرة، فهل بات "الانفجار" قريبا؟