أن ينتخب رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، لأمر مهم جداً ومنتظر بالنسبة الى الشارع المسيحي المحروم من إيصال رئيس قوي على صعيد التمثيل الشعبي منذ إغتيال الرئيس الأسبق بشير الجميل وحتى اليوم، ولكن على رغم أهمية هذا الإنتخاب إذا تحقق، يبقى الأهم منه بالنسبة للمسيحيين أن يوافق الشركاء الآخرون في الوطن على قانون إنتخابي يعيد للمسيحيين فعلاً لا قولاً، حقوقهم التمثيلية في مجلس النواب التي نص الدستور اللبناني على أن توزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

إنّ قانون الإنتخاب أهم في الميزان السياسي المسيحي من رئاسة الجمهورية، وأي تصحيح للخلل القائم على الساحة المؤسساتية يجب أن يبدأ من إعادة توزيع الدوائر الإنتخابية بطريقة تعطي كل طائفة حقها في إختيار ممثليها داخل الندوة البرلمانية إذا كان السياسيون يريدون من الشراكة تطبيقاً فعلياً يفوق مزحة التغني بها فقط في الشعارات والخطابات التي ترفع وتسمع خلال المهرجانات.

يقول الخبراء في الملف المسيحي ان قانون الإنتخاب هو الأهم، وهو الذي يمنع تكرار المشهد الحالي الذي توافق فيه أكبر حزبين مسيحيين من حيث الحجم التمثيلي (التيار الوطني الحر و​القوات اللبنانية​) على إنتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية وهو المدعوم ايضاً من الحزب الرقم واحد شيعياً أي حزب الله، كل ذلك من دون أن يتمكن هؤلاء مجتمعين من إيصال "الجنرال"، أما الأسباب فمرتبطة بالخلل الطائفي النيابي القائم بفعل قوانين الإنتخاب الجائرة وغير المنصفة. وفي الأرقام، تظهر جولة سريعة لخبير إحصائي أن قرار أكثر من نصف النواب المسيحيين، يتوزع بفعل قانون الإنتخاب على كتل نيابية مسلمة. وفي عملية تفصيلية أدقّ، هناك خمسة وثلاثون نائبا مسيحياً من أصل أربعة وستين، لم ينتخبوا في الدورة الأخيرة بأصوات المسيحيين والسبب توزيعهم على دوائر ذات أرجحيّة سنية أو درزيّة أو شيعيّة. فتيار المستقبل مثلاً أنهى إنتخابات العام 2009 مسيطراً على قرار 23 نائباً مسيحياً، منهم من التحق بالكتلة الزرقاء ومنهم من كان صديقاً لها وملتزماً معها في أي تصويت داخل الندوة البرلمانية. حصل تبدل بسيط في قرار هؤلاء النواب بعد تفاهم التيار "الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" لكن ولاء الأكثرية منهم بقي لقرار الكتلة المستقبلية. وكما تيّار "المستقبل"، للحزب "التقدمي الإشتراكي" ثمانية من النواب المسيحيين، منهم من هو مُنْتَمٍ الى كتلة "اللقاء الديمقراطي" برئاسة النائب ​وليد جنبلاط​ ومنهم من هو صديق لها ومنهم من هو مُنْتَمٍ الى حزب مسيحي ولكن على علاقة جيدة بجنبلاط، الحاكم الأول لدوائره الإنتخابية. في كنف الكتلتين الشيعيتين أيضاً هناك أربعة نواب مسيحيون لا يمكن إنتخاب واحد منهم إلا برضى من "حزب الله" أو حركة "أمل".

لكل ما تقدم، وكي لا تبقى رئاسة الجمهورية رهن قرار هذه الكتلة أو تلك، وكي يتمكن أي تحالف نيابي من إنتخاب الرئيس كما كان يحصل سابقاً، وكي لا تبقى المناصفة شعاراً فضفاضاً لا يطبّق، لا يجب الدخول بأيّ تسوية أو سلّة، تملأ الفراغ الرئاسي ولا تصحح الخلل النيابي الإنتخابي.