يسيطر الحذر الشديد في مقر إقامة رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون في الرابية منذ عودة رئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ الى بيروت. فالأجواء التي أوحت في الساعات الـ48 الماضية بنضوج قرار الحريري الّذي يقضي بتأييد ترشيح العماد عون بعد الوصول بترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ الى حائط مسدود، لا تغري كثيرا الدائرة المقرّبة من الجنرال والتي تشدد حاليا على مقولة ان "المؤمن لا يُلدغ من الجحر نفسه مرتين"، فكيف اذا كان قد لُدغ منه مرات عديدة!

وان كانت مصادر الرابية تحاول التعاطي بكثير من الواقعية مع المستجدات الأخيرة المتسارعة، الا أنّها لا شك تعتبر أن ما آلت اليه الأمور حاليا، لم تصله يوما من قبل وترى أن الرئاسة اقتربت أكثر من أي وقت مضى من العماد عون. لا بل تذهب أبعد من ذلك الى حدّ الجزم أنّه اذا لم يُنتخب الجنرال رئيسا في الأسابيع القليلة المقبلة فهو قد لا يُنتخب بعدها... كما لن يُنتخب أي أحد سواه.

ويبدو أنّه بات لدى العونيين معلومات مؤكدة عن قرار اتخذه الحريري بوضع حد للشغور الرئاسي المتمادي منذ أيار 2014، من خلال لعب الورقة الأخيرة التي بين يديه والتي ستؤمن عودته الى السراي الحكومي، بتبني ترشيح العماد عون والتخلي عن ترشيح النائب فرنجية. وفي هذا السياق تتحدث مصادر الرابية عن انصراف رئيس تيار "المستقبل" للبحث عن المخرج الملائم للقيام بالخطوة الانتقالية المنتظرة التي يعي تماما أنّها لا تهدد فقط قاعدته الشعبية بل تياره السياسي وكتلته النيابية بعد تلويح أكثر من نائب وقيادي في "المستقبل" بـ"سيف الانشقاق" في حال أقدم الحريري على تنازل جديد يؤمن تسجيل نقطة جديدة لصالح "حزب الله"، فكيف إذا كان الهدف هذه المرة سيؤمّن دخول حليفه المسيحي الرئيسي قصر بعبدا.

واعتبرت المصادر أن رئيس التيار الأزرق أمام "تحدٍّ وامتحان كبيرين داخل تياره فإمّا ينجح بتمرير القرار بحد أدنى من الخسائر والأضرار، أو يقوم بخطوة الى الوراء قد تبقيه في الخلف الى أجل غير مسمى". وأضافت: "بتنا على يقين أن لا فيتو سعودي على انتخاب العماد عون رئيسا وهو ما يسمح للحريري بالتنقل بحرية وبوضع كل الأوراق والخيارات على الطاولة... أما الحديث عن إمكانية سير رئيس تيار "المستقبل" بقرار رئاسي لبناني يُعارض ارادة الرياض فلا نتعاطى معه بجديّة".

واذا كانت الرابية مطمئنة للجهود التي يبذلها أكثر من صقر مستقبلي مقتنع بأن لا حل للأزمة اللبنانية كما للأزمة الحريرية الا بتأييد ترشيح العماد عون، الا ان ما يثير مخاوفها ما تسميه مصادرها "حرتقات" رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة السابق النائب فؤاد السنيورة المعارضين الشرسين لوصول العماد عون الى رئاسة البلاد. وتضيف المصادر: "بات واضحا تماما أن بري هو من خرج بفكرة تبني تيار "المستقبل" ترشيح فرنجية، وبعدما سقط هذا الطرح، ها هو اليوم يضع على الطاولة عشرات الاقتراحات والطروحات وآخرها انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي رئيسا وتعيين الوزير جبران باسيل على رأس الداخلية... كل ذلك بمحاولة لقطع الطريق على توجه الحريري لاعلان تبني ترشيح الجنرال".

وتستهجن المصادر العونيّة اصرار بري على طرح السلّة المتكاملة، معتبرة أنّه يندرج باطار السعي لعرقلة الجهود المبذولة حاليا لوضع حد للأزمة الرئاسية. وتضيف: "كيف نفسّر إذاً إصراره على اتفاقات وتفاهمات بالجملة يعي تمامًا استحالة أن تتم بوقت قصير وفي الظروف الراهنة؟!"

أما الحديث عن مقايضة سيقوم بها العماد عون بين الرئاسة وقانون الانتخاب، فيثير سخرية المصادر التي تؤكد أن "الجنرال وان كان يطمح للرئاسة فلفرض اقرار قانون جديد للانتخاب". وتضيف: "هناك مسلّمات لا يمكن التراجع عنها وعلى رأسها هذا القانون... حتى اننا ندفع ليكون هناك جلستان نيابيتان الأولى لانتخاب الجنرال رئيسا والثانية تلحقها مباشرة يتم خلالها إقرار اعتماد قانون جديد تجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة".

وبحسب المعلومات، يُكثّف وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ من جهوده لإقناع الحريري بالسير بعون رئيسا خصوصا وان سيناريو مماثلاً من الأرجح أن يأتي به رئيسا لحكومة انتقالية، تُشرف على اتمام الانتخابات النيابية على أن يتولى بعدها الحريري رئاسة الحكومة.

ولا يبدو أن فريق عمل العماد عون بصدد الانجرار خلف الموجة التفاؤلية التي قد تختفي بسحر ساحر، فهو وبالتوازي مع المتابعة الدقيقة لحركة الحريري المستجدة يُتابع تفاصيل الحركة التصعيدية التي يُعدّ لها منذ اسابيع. وفي هذا السياق تقول المصادر: "لا يمكن الحديث عن تعليق التحركات لا سيّما واننا أصلا لم نحدد بعد ساعة انطلاقها". وتضيف: "حركتنا الاحتجاجية ستكون على مستويات ستبدأ منخفضة وترتفع وتيرتها، الا اذا نجح شركاؤنا بالوطن باستباق الموضوع ككل بتأمين انتخاب العماد عون رئيسا مجددين تمسكهم بالميثاقية التي يقوم عليها لبنان".

وبانتظار إتمام رئيس تيار "المستقبل" جولته على القيادات والمرجعيات اللبنانية المعنية، من المتوقع أن يبذل معارضو عون "جهودًا استثنائية" لإجهاض التوجّه الحريري المستجد بتبنّي ترشيح الجنرال، ليبقى موقف "حزب الله" حاسمًا في هذا المجال خاصة وأنّه سيواجه احراجًا غير مسبوق في حال اصرار حليفه الاستراتيجي بري على موقفه غير المرحب لوصول العماد عون الى سدة الرئاسة.