الرئيس سعد الحريري في وضعٍ لا يُحسَد عليه، ومع ذلك هو محسود من كثيرين، فمن جهة هناك مَن يعتبره انه لم يعد يمتلك قراره، ومن جهة ثانية هناك مَن يطالبه بأن يحسِم قراره، فإذا كان لا يملك قراره فكيف يحسم هذا القرار؟

هكذا يكون الإنفصام السياسي عند الآخرين وليس عنده. لكن ما يجب أن يُسلِّم به الجميع، هو أنَّ الرئيس الحريري يملك جرأة الإقدام والمبادرة، فيما الآخرون ينتظرون ماذا سيفعل ولا يُقدِمون على أي مبادرة. حين رشَّح الوزير فرنحيه تحرَّك مستنقع الرئاسة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى عشية عودته، عاد السكون إلى الملعب الرئاسي ليتحرَّك من جديد بعد عودته، حيث عادت معه الحركة إلى هذا الملف المتعثِّر منذ سنتين وأربعة أشهر.

الرئيس الحريري لم يكن ليرشح الوزير فرنجيه لو لم يصل الملف الرئاسي إلى المأزق، واليوم المأزق يتكرر فكان قراره بمحاولة فتح كوة في هذا الجدار.

كان من الطبيعي أن يبدأ مروحة إتصالاته بلقاء مرشحه الوزير سليمان فرنجيه، فأيُّ تحريك للملف لا بد أن يبدأ بالمرشح سواء لجهة تثبيت ترشيحه أو لجهة التشاور في مسألة تنويع الخيارات. وفي بنشعي بالذات قرر زعيم المستقبل أن يفتح الكوة، وبالفعل فإنَّ البيان المقتضب الذي صدر لم يحسم التثبيت لترشيح فرنجيه كما لم يحسم خيار المرشح الآخر، إذ تضمَّن الآتي:

تركَّز البحث على الإستحقاق الرئاسي وكل السبل الآيلة إلى ضرورة إحقاقه حيث كان هناك تطابق في وجهات النظر، واتفق الجانبان على ضرورة توسيع مروحة الإتصالات والمشاورات مع كافة القوى السياسية في سبيل انتخاب رئيس جمهورية وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية.

ليس في البيان أي إشارة إلى سحب ترشيح فرنجيه ولا إلى السير بترشيح العماد عون. فالوزير فرنجيه لم يسمع من الرئيس الحريري أي كلمة أو إشارة يقول فيها إنّه تخلّى عنه، وعليه فإنّه يعتبر نفسه أنَّه ماضٍ في ترشيحه.

هذا الوضع جعل جميع الأطراف يتهيَّبون الموقف ويضعون كل الإحتمالات أمامهم، فالقرار رهنٌ بمروحة الإستشارات والإتصالات التي تجري، ليس في الداخل فحسب بل في الخارج أيضاً، وربما لهذا السبب أوفد النائب وليد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور إلى السعودية، لاستشكاف رأيها في التطورات الرئاسية المتسارعة في لبنان، وبعد هذه الزيارة يبني النائب جنبلاط على الشيء مقتضاه.

الواقع يقول إننا في الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل ولسنا في المئة متر الأخيرة، إنطلاقاً من المعطيات التالية:

كيف سيتم التعاطي مع الرئيس نبيه بري الذي أعلن أكثر من مرة أنه لا رئاسة قبل الإتفاق مسبقاً على ملفات ما بعد الرئاسة؟

كيف ستكون ردة الفعل على ما جرى تسريبه عن الرئيس بري من أنَّه يتمسَّك بوزارة المالية؟

و في المقابل أنَّ العماد عون يرفض هذا الأمر؟

تيار المستقبل يتعاطى بهدوء وروية مع المعطيات الجديدة، وهو يُدرِك أنَّ المرحلة لا تحتمل أي تجارب واختبارات وأنها محفوفة بالألغام والبلد لم يعد يحتمل، لذا فإنَّ مصادره تركز على وجوب الرجوع إلى العقل والحسابات الباردة وفتح المجال أمام إكمال الحوارات والمشاورات والإتصالات السياسية الجارية فعلياً من أجل الوصول إلى ما يحمي لبنان واستقراره وحصانته وسلمه.