حصل ما كانت السعودية تتخوف منه منذ فترة، واصبح "جاستا"(1)قانوناً اميركياً، فما الذي سيحصل؟ اولا، لا بد من لفت النظر الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما لم يعمل الكثير من اجل دعم الفيتو الذي وضعه على المشروع قبل ان ينقلب عليه مجلس الشيوخ وبعده مجلس النواب ليطيح بقراره، والدليل ان نسبة المصوتين لصالح المشروع في المجلسين تظهر بوضوح انضمام شريحة كبيرة من الحزب الديمقراطي الى مؤيدي "جاستا"، وبالتالي يبرز سؤال عما اذا كان الحزب الديمقراطي اتخذ بالفعل قراراً باضعاف اوباما اكثر في نهاية ولايته ام انه رأى في الامر دفعاً معنوياً للمرشحة ​هيلاري كلينتون​ للوقوف في وجه المنافس الجمهوري دونالد ترامب الذي "يتبجح" بأنه لن يغطي السعودية فور وصوله الى الرئاسة؟

ثانياً، وفي مطلق الاحوال، يبدو القانون الجديد بعيد التنفيذ فهو قد يخضع لقراءة جديدة من قبل اعضاء مجلس الشيوخ حيث تردد ان البعض بدأ بمراجعة حساباته وقراراته، كما ان امامه مسيرة غير قصيرة ليصبح نافذاً من الناحية العملية في المحاكم... ولكن نتائجه المعنوية لم تتأخر في الظهور، وهي وضعت السعودية في موقف حرج ليس من السهل الخروج منه او درس كيفية الرد عليه.

في الصورة العلنية، يبدو ان السعودية دفعت ثمن تورطها العسكري في اليمن، حيث يصرح المسؤولون الاميركيون (معظمهم من اعضاء مجلس الشيوخ) ان ما قامت به السعودية بحق اليمنيين لا يمكن ان يمر دون عقاب. ولكن في الصورة الاعمق، لا يقتصر الامر على "معاقبة" السعودية على ضرباتها الجوية في اليمن، بل يؤشر الى ان الخلاف معها بات استراتيجياً وذلك بسبب تعدد الآراء والتيارات ضمن القيادة الحاكمة حيث لم يعد من السهل استشعار التوجهات السعودية في القرارات الكبرى، ولعل تحجيم الدور السعودي في المنطقة خير دليل على ذلك.

تراجع الدور السعودي بدأ منذ فترة، والتوتر مع الولايات المتحدة بدا منذ مراحل التمهيد للاتفاق النووي مع ايران، وعليه لم يعد امام السعودية خيارات كثيرة لاعتمادها كرد على قانون "جاستا". لذلك، لم يعد اي رد محتمل من الرياض "مخيفاً" لان ما كان يصح منذ سنوات لم يعد قائماً حالياً، فنفوذ السعودية حتى داخل مجلس التعاون الخليجي لم يعد نفسه، واذا كان المجلس سابقاً يتضامن مع الرياض في الدفاع عنها (كما حصل في خلافها مع قطر، ومع انتقاد السويد لها في قضية حقوق الانسان...) فإنه لن يحصل مع الولايات المتحدة. ومن المستبعد تماماً قيام قطر مثلاً باغلاق القاعدة الاميركية الضخمة على اراضيها دفاعاً عن السعودية، او ان تسحب دول الخليج استثماراتها وتوقف التعاون العسكري مع الولايات المتحدة لارضاء المملكة.

اما ثالثاً، فمن الممكن ان ترتمي السعودية في احضان روسيا نكاية بالاميركيين، ولكنها ستدخل بذلك حرباً باردة هي في غنى عنها، علماً ان وضعها الداخلي غير سليم، ناهيك عن عدم قدرتها على الاعتماد على الدول الخليجية الاخرى في هذا المجال.

ومن الممكن كذلك ان توقف وتسحب استثماراتها وشراء الاسلحة من اميركا، ولكن لا يخفى على احد ان وضع السعودية المالي والاقتصادي ليس في احسن حالاته وعمليات الاقتراض بدأت بشكل مضطرد، كما ان عامل النفط لم يعد ورقة ضاغطة في يدها باعتراف مسؤوليها الذين يعملون على ايجاد البدائل لتوليد الطاقة.

وتبقى ورقة الجماعات التي تدعمها الرياض بالعتاد والاموال، وهي قادرة في احسن الاحوال على احداث قلاقل في اماكن معينة، ولكن القرار الدولي المتخذ بالقضاء على "داعش" وبعض المنظمات الاخرى، كفيل بالحد من خطورة هذه الجماعات وربما السيطرة عليها في مرحلة لاحقة لن تكون بعيدة.

صدر القرار الاميركي، ولكن ماذا سيكون عليه الرد السعودي؟ الجواب انه لن يكون مزلزلا او قويا اذا ما بقيت الامور تسير على هذا المنوال بالنسبة الى السعوديين.

(1)قانون "جاستا" JASTA: هو الاسم المختصر لجملة "العدالة ضد رعاة الارهاب"، وقد اقره مجلس الشيوخ الاميركي بنتيجة 97-1، ومجلس النواب بنتيجة 348-77.