لا يمكن أن يمر تصريح الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​، عن فتح باب النقاش حول ​إتفاقية لوزان​ وإعتبارها هزيمة نكراء يوم أمس، مع إقتراب الذكرى المئوية لتوقيعها مرور الكرام، نظراً إلى أنها من المعاهدات الدولية التي تكون مدتها عادة 100 عام، ما يعني أن أنقرة، في العام 2023، ربما تكون قد أصبحت في حلّ من بنودها، التي ساهمت في إنهاء الأمبرطوية العثمانية، الأمر الذي يدفع إلى فتح باب التساؤلات واسعاً، في ظل ما يجري في المنطقة من إعادة رسم لخرائطها، التي حددت بموجب إتفاقية سايكس-بيكو في العام 1916.

ما هي معاهدة لوزان؟

في العام 1923، وقعت هذه الإتفاقية في سويسرا، بين كل من تركيا وبريطانيا وفرنسا، من أجل تنظيم العلاقات فيما بينها، بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، بعد أن كانت الدول المنتصرة في هذه الحرب قد أبرمت إتفاقية سيفر، في العام 1918، التي تقاسمت بموجبها أراضي الأمبراطورية العثمانية، وأعطت معظم القوميات غير التركية فيها استقلالها، الأمر الذي أدى إلى حرب نتيجة رفض الأتراك لها.

من حيث المبدأ، يشار إلى لوزان بوصفها الإتفاقية التي وضعت حداً للإمبراطورية العثمانية، التي كانت تمثل "الخلافة الإسلامية"، وأسّست لقيام الدولة التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وعاصمتها أنقرة، أما أبرز بنودها فهي تشمل: تنظيم استخدام المضائق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها في زمن الحرب والسلم، بالإضافة إلى ترسيم حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية، وقضت بتخلي تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق و"بلاد الشام"، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، بالإضافة إلى حماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية في تركيا والأقلية المسلمة في اليونان.

لوزان راهنا

من المتعارف عليه على المستوى الدولي، أنّ الرئيس التركي الحالي، زعيم "حزب "العدالة والتنمية" له أهداف إقليمية وتوسعية واضحة، دفعت بالكثيرين إلى وصفه بـ"السلطان" الطامح إلى إعادة أمجاد الأمبراطورية العثمانية، وبالتالي لا يمكن أن يكون تصريحه الأخير، في وقت يشارك فيه جيشه في العمليات القتالية في الشمال السوري ويطمح إلى الذهاب نحو مدينة الموصل العراقية، بريئاً، خصوصاً أن أنقرة سعت إلى الإستفادة من أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي" لتوسيع رقعة نفوذه في العالمين العربي والإسلامي.

في هذا السياق، يشير العميد المتقاعد أمين حطيط، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن تركيا كانت أحد الخاسرين الأساسيين في الحرب العالمية الأولى، وفي لوزان تمّ تصنيف العالم بين "منتصر" و"مهزوم"، ويلفت إلى أن أنقرة لم تستطع الحفاظ من الأراضي العثمانية إلا على ما يعرف اليوم بتركيا، بالإضافة إلى جائزة ترضية هي إقليم الأسكندرون، لكنه يشدد على أن هذه الجائزة لا تعني أنها باتت "منتصرة"، لأن المعاهدة كرست هزيمة الأمبراطورية العثمانية وتراجع نفوذها من الشرق الأوسط وأفريقيا.

بالنسبة إلى حطيط، أردوغان يشعر اليوم بأن هناك إنهياراً في النظام الإقليمي وتبدلاً في الخرائط، ويعتبر أن لديه القدرة على الإستفادة من الظروف الراهنة لتعويض هزيمة الحرب العالمية الأولى، خصوصاً بعد أن لمس أن الغرب يستثمره ويتآمر عليه في الوقت نفسه، بدليل أزمة الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي ومحاولة الإنقلاب العسكري الفاشل الذي وقفت خلفه الولايات المتحدة، وبالتالي هو يقول ان المجال الحيوي الخاص به لم يحققه الغرب، ويريد أن يكون في الشرق عبر التحالف مع إيران وروسيا.

وعلى الرغم من تأكيد حطيط بأن كلام الرئيس التركي الأخير يكرس نظرية الأطماع العثمانية، يشير إلى أن أردوغان بعد الفشل في الأزمة السورية يريد البحث عن مشروع جديد، يبدأ من خلال التفلّت من قيود لوزان، ويرى أن ذلك يمثل تهديداً جغرافياً لكل من اليونان وقبرص ودول البلقان وأرمينيا وسوريا والعراق، إلا أنه يعتبر أن التهديد بالنسبة إلى دمشق وبغداد سيكون محدوداً، نظراً إلى أنهما ليسا متروكين من جانب طهران وموسكو، ويذكر بأنه على ضوء معركتي الموصل وحلب سيتحدد مصير الشرق، ولا يتوقع نجاح هذا المشروع بسبب الوضع الداخلي في تركيا.

بدوره، يشير إستاذ القانون الدولي الدكتور حسن جوني، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن تعديل أي معاهدة دولية يتطلب موافقة كافة الأعضاء الموقّعين عليها، ويلفت إلى أن معاهدة لوزان جاءت بضغط من الولايات المتحدة لتعويم تركيا بعد معاهدة سيفر، حيث قامت واشنطن بالضغط على كل من باريس ولندن لتدعيم موقف أتاتورك، في المقابل باتت أنقرة هي الحليف الإستراتيجي لها.

ويلفت الدكتور جوني إلى أنه حتى الساعة لا أحد يعرف ما يريده الرئيس التركي الحالي من طرح هذا الموضوع، في الوقت الراهن، ويسأل: "هل الهدف إعادة أمجاد الأمبراطورية العثمانية في ظل محاولات إعادة تقسيم المنطقة من جديد أم أمر آخر؟"، خصوصاً أن أردوغان عندما تحدث عن هذا الطرح، أَلْمَحَ إلى أن هذه الإتفاقية "منحت" جزر إيجي إلى اليونان، في حين أنها كانت من ضمن أراضي الأمبراطورية العثمانية.

في المحصّلة، هناك الكثير من علامات الإستفهام حول موقف أردوغان التي ينبغي أن تتّضح في المقبل من الأيّام، نظراً إلى أن الخطورة تكمن في توقيتها، مع العلم أن حزب "العدالة والتنمية" كان دائماً يتحدث عن رؤية تركيا 2023، من باب الإشارة إلى مشروع يهدف من خلاله إلى نقلة نوعية تصبح فيها أنقرة إحدى الدول العظمى في العالم.