منذ اكثر من سنتين واسم قائد الجيش العماد ​جان قهوجي​ يطرح في أروقة السياسيين والاعلاميين كإسم محتمل ل​رئاسة الجمهورية​، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة أمر عادي بعد وصول قائدين سابقين للجيش الى سدّة الرئاسة.

ولكن اسم العماد قهوجي أخذ يتردد في الفترة الاخيرة بقوّة عند استحقاق نهاية خدمته ووجوب تعيين قائد جديد للجيش. هنا، كانت الامور تنقسم بين مؤيّد ومعارض، وهو أمر يبقى أيضاً ضمن المنطق. ولكن، في ظل التهديد بوصول الفراغ الى قيادة الجيش، كان لا بدّ من اعتماد خيار التمديد، فالقوى السياسيّة لم تقدّم أيّ دليل على استعدادها الاتفاق على إسمٍ لتعيينه، وبالتالي ينضمّ مركز قائد لجيش الى مكتسبات الفراغ الذي غزا قصر بعبدا.

ولعل ما يشجع اعتماد التمديد للعماد قهوجي هو التوافق الذي حصده من قبل الزعماء والمسؤولين السياسيين لجهة القدرة التي أظهرها في تخطي الصعوبات التي اعترضت الجيش في الآونة الاخيرة وخصوصاً على جبهة الارهاب، حيث استطاعت المؤسسة العسكرية تحقيق انجازات كبيرة بقدرات بسيطة ومتواضعة، أدهشت العالم ودفعت الكثير من الدول وفي مقدمها الولايات المتحدة الى توثيق علاقتها بالجيش والتنسيق معه استخباراتياً وحتى مدّه ببعض الاسلحة التي يحتاج اليها للتصدّي للارهابيين.

لا ضرورة بالفعل للحديث عن تفاني ضباط الجيش وجنوده في سبيل لبنان، ولكن من المهمّ الاشارة الى أن كل ما قامت به قيادة الجيش كان محطّ ثناء وتنويه من قبل المسؤولين في لبنان وخارجه، حتى التيار الوطني الحر المعارض للتمديد، أكد أكثر من مرّة أن لا مشكلة مع العماد قهوجي انما المشكلة في مبدأ التمديد.

نجح قائد الجيش، من خلال متابعته للعمليات العسكرية الدقيقة التي نفذّتها المؤسسة العسكرية على كل الأراضي اللبنانية، في لفت الانظار اليه وهو لهذه الغاية زار اكثر من مرة الولايات المتحدة، وهو سيزورها ايضاً في وقت قريب تلبية لدعوة من القيادة العسكرية الاميركية (13 و14 تشرين الأول المقبل للمشاركة في مؤتمر حول ​مكافحة الارهاب​). وفي كل مرة، يثير العماد قهوجي متطلبات ​الجيش اللبناني​ من أسلحة وعتاد كي يستطيع أن يستمر في القيام بواجبه كاملاً، وهو يعلم تماماً ان كل ما يحققه الجيش لن ينسب اليه بطبيعة الحال، وان كل ما يحصل عليه سيبقى للضباط والجنود بعد تركه لمهامه ومنصبه، وهذا يؤكد أنّ الهدف هو ابقاء الزخم والثقة بالجيش، وزيادة اللحمة التي تجمعه باللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية.

ليس من المفترض أن يشكل التمديد للعماد قهوجي انقساماً بين اللبنانيين لسبب بسيط، وهو أنّ الانجازات التي يقوم بها الجيش اللبناني من كشف خلايا إرهابيّة ومداهمات تسفر عن احباط مخططات تفجيرات وعمليات اجراميّة، إضافة الى المواجهات القاسية التي يخوضها مع "داعش" وغيره من المنظمات الارهابية، هي الدليل القاطع والحيّ على وجوب عدم تغيير النمط المتّبع، وعدم المخاطرة بحصول فراغ على أيّ مستوى في القيادة، لأنه سينعكس سلباً بطبيعة الحال على العمل الميداني.

ليس العماد قهوجي الشخص الوحيد الذي يصلح لقيادة الجيش طبعاً، ولكن في ظل الوضع الحالي الذي يعيشه الجيش، وفي ظل نجاح الاستراتيجية المتبعة والتي وضعتها قيادته برئاسة قهوجي، هل من المناسب فعلاً وضعه تحت اختبار الفراغ على مستوى قيادته، أم يجب تقديم الدعم له في العمل الجبّار الذي يقوم به، فيما دخل القرار الدولي المتّخذ للقضاء على "داعش" وتحجيم المنظمات الارهابية الأخرى مرحلته الاخيرة؟

وبغضّ النظر عمّن يدعم او يعارض التمديد للعماد قهوجي، يمكن القول ان هذا التمديد في هذا الظرف بالذات، هو تمديد للخطّة التي وضعها الجيش لحربه على الارهاب والتي يحقق فيها انتصاراً مهماً معركة تلو الأخرى، ومن المؤسف أنْ تشهد هذه الخطة تغييراً دراماتيكياً لنْ يصبّ سوى في مصلحة تأخير الأهداف الموضوعة من قبل الجيش اللبناني للقضاء على الإرهابيين.

سنة جديدة للجيش مع العماد قهوجي، نأمل ان تكون خاتمة مواجهته الدامية والقاسية مع الإرهاب والإرهابيين وأنْ تتكلّل بالنجاح والانتصار المدوّي.