قد يكون من المفارقات اللافتة على المسرحين الإقليمي والدولي، أن يخرج الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​، بعد عام على التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، ليهدّد موسكو بالخيارات البديلة عن التفاوض، في وقتٍ يبدو فيه عاجزاً عن تقديم الكثير إلى حلفائه في المنطقة، بعد أن باتت أيامه في ​البيت الأبيض​ معدودة، مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية في بلاده، ولكن ما هي الخيارات التي يملكها في الوقت الراهن؟

من حيث المبدأ، سقط خيار المفاوضات الثنائية بين البلدين، بالرغم من حرصهما المتبادل على إبقاء شعرة معاوية، بسبب رغبتهما بعدم الدخول في مواجهة شاملة على الأرض السورية، من المرجح أن لا تبقى محصورة في مسرحها، لكن من المؤكد أن الرئيس الأميركي، أمام التقدم الروسي على جبهة ​مدينة حلب​، لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، نظراً إلى أن هذا الواقع سوف يقيد الرئيس، الذي يحتاج إلى أوراق قوة ميدانية يتفاوض فيها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خصوصاً في ظل الضغوط الأوروبية والخليجية على أوباما، التي تريد منه حماية العاصمة السورية الثانية بأي ثمن، سواء كان سياسيًا من خلال الضغط على موسكو أو عسكريًا عبر تقديم أسلحة نوعية إلى فصائل المعارضة المسلحة.

وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية لم تكن غائبة، على مدى السنوات السابقة، عن تقديم مختلف أنواع الدعم إلى تلك الفصائل، إلا أنّها كانت متردّدة في تقديم أسلحة نوعية قد تقع في أيدي الجماعات المتطرّفة، مثل جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" الإرهابيين، لا سيما أنّ مثل هذا السيناريو تكرّر في أكثر من مناسبة في سوريا، من خلال سيطرة الإرهابيين على مواقع جماعات مدعومة من واشنطن، وبالتالي الإستيلاء على الأسلحة التي كانت مقدمة لها.

بالتزامن مع هذا الواقع، تسدل ​روسيا​، في الأيام الحالية، الستار عن عامها الأول من التواجد في سوريا، في ظلّ التهديدات من تكرار السيناريو الأفغاني أيام الإتحاد السوفياتي السابق، الأمر الذي لا تخفي موسكو خشيتها منه، وهي التي كانت تسعى في البداية إلى تعديل موازين القوى العسكرية بغية تحسين شروط التفاوض السياسي، لا الذهاب إلى كسرها بشكل كامل، ضمن معادلة "سوريا المفيدة" التي باتت معروفة على مختلف الصعد السياسية والعسكرية، لكنها تصطدم بإنعدام فرص الوصول إلى تسوية سياسية في القريب العاجل، لا بل هي باتت بعيدة عن متناول اليد بعد فشل الإتفاق الذي أبرم بين وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا ​سيرغي لافروف​، وبالتالي بات عليها وضع كافة الخيارات ضمن حساباتها، وأبرزها البقاء فترة طويلة في هذه الساحة الملتهبة.

الحديث عمّا تقدّم ينطلق من رغبة مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين العمل على تحسين أوراق قوتهم العسكرية، بغية الإستفادة منها في المفاوضات السياسية، تماماً كما فعلت هي عندما أصدرت قرار الذهاب إلى سوريا، في وقت كانت فيه المعارضة المسلحة، مدعومة من حلفائها، تتقدم للسيطرة على كامل محافظة إدلب، وهو ما يفسر التحول في المواقف الحالية على وقع التطورات الميدانية في حلب، حيث لم تتردد بعض الجهات الإقليمية والدولية بالدعوة إلى إرسال أسلحة نوعية إلى المجموعات المعارضة، نظراً إلى سقوط هذه المدينة سوف يعقد المفاوضات السياسية أكثر.

وفي حين يبدو خيار التراجع الروسي مستبعداً، نظراً إلى أن كلفته أكبر من ثمن المواجهة التي قد تخرج منها "منتصرة"، لا سيما أن الأزمة السورية كانت بوابة عودتها إلى الساحة الدولية، تطرح العديد من الأسئلة حول ما يمكن أن يقدم عليه الرئيس الأميركي في هذه المرحلة، لكن السيناريوهات المتوقعة، في ظل عدم الرغبة في إرسال أعداد ضخمة من الجنود إلى الميدان، تبقى محصورة بالتالي:

- العمل على رفع مستوى الأسلحة المقدمة إلى الفصائل المعارضة، لا سيما تلك المتعلقة بالدفاعات الجوية، والتي تم تسريب معلومات، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، عن أن بعض الدول الخليجية قد تقدم على مثل هذه الخطوة، ما قد يعيق حركات الطيران الروسي والسوري.

- توسيع رقعة المواجهات مع ​الجيش السوري​ وحلفائه عبر فتح جبهات جديدة، كانت قد شهدت هدوء نسبياً في الفترة السابقة، الأمر الذي يشتت القوات المقاتلة ويضعف حضورها في الميدان، وهنا من الممكن الحديث عن فتح معارك ريف حماه، بالإضافة إلى إحتمال إعادة تحريك الجبهة الجنوبية.

- تثبيت المناطق التي تسيطر عليها في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا، تمهيداً لتكون ركائز يستند إليها الرئيس المقبل عند وصوله إلى البيت الأبيض، بالرغم من الخلافات التي تطغى على العلاقة بين حلفائها في هذه المناطق، أي القوات التركية و"قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية.

هذه السيناريوهات، لا يمكن أن تكون خارج دائرة الحسابات الروسية والإيرانية والسورية، حيث من المفترض أن تكون متوقعة منذ اليوم الأول لدخول المفاوضات مع الجانب الأميركي، بالرغم من السعي الدائم إلى إبقاء خطوط المفاوضات مفتوحة، وهو ما يمكن الدلالة عليه عبر الإشارة إلى أن الحديث عن معركة حلب، كان قد رافق المشاورات حول وقف إطلاق النار، في وقت تم الكشف فيه عن إرسال حاملة الطائرات الروسية "الأدميرال كوزنيتسوف" إلى السواحل السورية، بعد أن طغى، في الأيام السابقة، الحديث عن وصول 3000 مقاتل روسي للقتال داخل الأراضي السورية، ما يعني أن موسكو ستعمل على رفع مستوى الدعم الذي تقدمه إلى دمشق في حال التصعيد من جانب واشنطن ولن ترضخ إلى التهديدات الأخيرة.

في المحصلة، دخلت الساحة السورية مرحلة جديدة من الصراع الإقليمي والدولي، من المتوقع أن تكون حامية جداً في الفترة الفاصلة عن إستلام الرئيس الأميركي الجديد زمام الأمور، لكن هل تقود إلى توازنات جديدة في الميدان تساعد في الوصول إلى حل سياسي؟