في الشارع الرئيسي لمدينة لاس فيغاس الأميركية او ما يُعرف بـ"STRIP" يكثر، وكما قد لا يتوقع كثيرون، المشرّدون الذين يرفعون أوراقا كتبوا عليها "من دون منزل" أو "بحاجة للطعام والكحول"، وغيرها من العبارات التي تُفاجىء زوار هذه المدينة التي تضجّ بالحياة والسهر وحيث يكثر صرف الأموال في الكازينوهات الأشهر في العالم، ما يوحي لوهلة أن فيغاس الصاخبة لا تستقبل ولا يسكنها الا الأثرياء المحتارون بكيفية التخلص من بعض أموالهم المكدّسة.

على أحد الجسور المعلّقة التي تصل أحد الكازينوهات بآخر، رفع واحد من هؤلاء المشردين ورقة كتب عليها "أعطوني دولارا أو أنتخب ترامب"... عبارة تلمحها على أوراق أخرى ويعبّر عنها كثير من الأميركيين الذين ينتمون وبشكل أساسي للطبقة المتوسطة أو الفقيرة التي تحيا وبشكل أساسي من المساعدات التي تقدمها لها الحكومة الأميركية. ويتهم مناصرو الحزب الجمهوري، الحزب الديمقراطي بالإمعان بإفقار الأميركيين لجعلهم تحت رحمة هذه المساعدات التي تؤمّن استمراريّة الحزب المذكور في السلطة.

وبالرغم من أنّ الملفّ المعيشي يشكل عنصرا أساسيا في الحملات الانتخابية المحتدمة في الولايات الأميركية كافة، الا أن الأمن يبقى الهاجس الأبرز لعموم الأميركيين الذين لا يخشون "الإرهاب" وحده بل حربا عرقيّة بعد الصدامات المتكررة بين البيض والسود في أكثر من ولاية، وتنامي الإحتقان الذي في حال لم تتم معالجته سريعا يُهدّد بانفجار أمني كبير في الولايات كافّة. وقد لعب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في ذكرى 11 ايلول على وتر هذه الصدامات بمسعى لتغذيتها والإستفادة منها بمخططات إرهابية مقبلة، متحدثاً عن "ذلّ الأفارقة" في الولايات المتحدة، معتبراً أن السود لن يتمكّنوا من نيل حقوقهم و"الإصلاح عبر الدستور والقانون"، لأن "القانون في يد أغلبية البيض". وقال: "لن ينقذهم إلا الإسلام".

ولعلّ تفلّت السلاح ووجود أكثر من 265 مليون قطعة في مجمل الولايات الأميركية، أي أكثر من سلاح واحد لكل بالغ، يُساهم الى حدّ بعيد بتغذية الصراع العرقي الذي حلّ ملفًّا أساسيا في الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة الأميركية، ​هيلاري كلينتون​ و​دونالد ترامب​. وتشير الإحصاءات الى أنّ السود والجيل الجديد من البيض يميلون إلى منح أصواتهم للديمقراطيين، أما الأجيال الأكبر سنًّا من مواطني الولايات المتحدة البيض، فسيقترعون لمرشح الحزب الجمهوري.

وستؤثّر العمليات الإرهابيّة التي شهدتها عدة مدن أميركيّة مؤخّرًا وحملت بصمات "داعش" بشكل كبير على نتائج الانتخابات الأميركية، بحيث أن ترامب يصرّ على تحميل منافسته مسؤولية بروز التنظيم المتطرف المذكور، فيما تعيّره هي بعدم إمتلاك خطّة أو مشروع واضح لمحاربته. وشهدت ولايات نيويورك ونيوجرسي ومينيسوتا خلال 12 ساعة فقط، الشهر الفائت، 3 هجمات يُعتقد أن عناصر تابعة لـ"داعش" أو متأثرة بفكره خطّطت لها، وهي هجمات يُرجّح مراقبون أنْ تتكثّف قبل أسابيع من موعد الانتخابات الأميركية.

والمستغرب ان عددا من الأميركيين بدأ بالفعل بتخزين الطعام ومواد أوليّة كما الأسلحة استعدادا لـ"أيام سوداء" يعتقدون أنّ بلادهم ستشهدها عاجلا أم آجلا نتيجة ما يقولون أنّها "سياسات خاطئة خارجيّة وداخليّة" سترتدّ عليهم.

بالمحصلة، وإنْ كان معظم المراقبين يتوقعون فوز المرشحة الديمقراطية بالرئاسة الأميركيّة خصوصًا بعد المناظرة التلفزيونيّة الأخيرة وما تلاها من نتائج استطلاعات الرأي، الا ان اعتماد مبدأ الحسم في هذا المجال قد لا يكون مناسبا في ظل الغليان الذي يشهده المجتمع الأميركي الذي لا يشبه بشيء ذلك المجتمع المسترخي السعيد الذي تصوّره أفلام هوليوود!