طيلة الأسبوع الماضي، وخلال جولات رئيس تيّار المستقبل النائب ​سعد الحريري​ وصولاته بين بكفيا وبنشعي وعين التينة فمعراب والرابية، كان يسمع بين الحين والآخر، تارةً من أحد مستشاريه وتارةً من نائب في كتلته كلاماً ومعلومات، منها ما يفيد بأن مناصري التيار الأزرق ينزعون صوره المرفوعة في الطريق الجديدة، ومنها ما يتحدث عن إزدياد منسوب الغضب الشعبي في طرابلس على "الشيخ سعد"، كلّ ذلك بمجرد أن سمع الشارع السنّي المؤيد للحريري، بأن الأخير بدأ التفكير جدياً بتبني ترشيح رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.

بين هذه المعطيات التي زُوّد بها الحريري ما هو صحيح لأن شارعه وبفعل التعبئة، يخوض منذ سنوات وسنوات حرباً سياسيّة شعواء مع "الجنرال"، وبينها ما هو مضخّم ومصدره جناح رئيس الكتلة النيابية فؤاد السنيورة الرافض بشكل مطلق داخل تيار "المستقبل" أي حديث عن التصويت لعون وإدخاله رئيساً الى قصر بعبدا.

على رغم كل ما سمعه وما يمكن أن يراه لاحقاً من ردود فعل مستقبليّة شعبيّة ونيابيّة على حراكه الرئاسي الجديد، أكمل الحريري جولته على القيادات، وسيستكمل ما بدأه بعد عودته الى لبنان من رحلته الروسية-التركية وربما السعوديّة. هذا ما يؤكده أحد المقربين من رئيس التيار الأزرق، "أما سبب إصراره على إنفتاحه على العماد عون"، يتابع المصدر المذكور، "فهو على قاعدة، ضرورة تحقيق خرق في جدار الأزمة الرئاسية مهما كانت الوسائل والنتائج، لأنّ إستمرار الوضع على حال المراوحة التي يعيشها اللبنانيون، سيكون بنتائجه وتداعياته أسوأ بكثير على الحريري من إنتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة رئيس التيار الأزرق الى السراي، رئيساً للحكومة.

نعم، عودة الحريري الى السراي في عهد رئاسي جديد هي أكثر من مهمّة بالنسبة اليه، كيف لا والتجارب أثبتت في لبنان أن السنوات الثلاث الأولى من كل عهد رئاسي، تحمل معها للحكومة حركة إقتصادية لافتة وعودة فاعلة للمؤسسات الرسمية، إضافة الى جوّ سياسي غير متأزم، ما يفتح شهية الشركات الأجنبية ودولها على الإستثمار في لبنان وإدخال المزيد من المشاريع والأموال الى البلد، هذا فضلاً عن الهبات والقروض المدعومة وغير المشروطة التي تحصل عليها الحكومة وهي محرومة منها اليوم بفعل تعطيلها وإقفال أبواب مجلس النواب وقصر بعبدا. كلّها حسابات يحسبها الحريري جيّداً، ويضعها على روزنامة عمله، هذا فضلاً عمّا يمكن أن يقدمه لجمهوره "الحردان"، من خدمات ووظائف ومشاريع، من موقعه كرئيس للحكومة اللبنانية. أضف الى كل ما تقدم، يؤكد نائب مستقبلي مقرب من الحريري أن "عودته الى السراي مجدداً، ستفتح لشركاته التي تعاني مادياً أبواباً خارجية عدّة للإستثمار وتعويض الخسائر التي لحقت به خلال السنوات القليلة الماضية".

إذاً، للحريري مصالح عدة في إنتخاب عون، وكل ما يمكن أن يخسره شعبياً يعوّضه في مرحلة لاحقة لقب "دولة الرئيس الحالي"، وكما تقبّل الجمهور ترشيح رئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​، الذي إتهمه فريق الحريري عام 2005 بتغيير معالم ساحة جريمة إغتيال والده ​رفيق الحريري​ يوم كان وزيراً للداخلية، يتقبّل مع الوقت وبفعل التطورات إنتخاب عون إذا تحقق.