يعتبر الحراك الذي يقوم به رئيس الحكومة الاسبق ​سعد الحريري​ الأول من نوعه منذ دخول لبنان في الفراغ الرئاسي، إذ لم يسبق أن وصلت الأمور إلى المستوى الجدي الذي بلغته خلال الساعات الأخيرة، والذي أوحى بأنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق.

وإذا كان الحريري أنهى جولته على الأقطاب السياسيين لينطلق في رحلته نحو الخارج حاملاً ربما معه مفتاح الحلّ للأزمة، فإنّ السؤال – اللغز يبقى عمّا إذا كان قد اتخذ فعلاً قراره بتبني ترشيح رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" ميشال عون للرئاسة، كما يروّج في بعض الأوساط السياسية.

"هذه هي المرّة الأولى التي بتنا نشعر فيها بأن هناك شيئاً جديًا يتحرّك في الأفق". هذا ما تؤكده المحللة السياسية ​سكارليت حداد​، لافتةً الى أن "الجولات التي قام بها الحريري على الاقطاب هي تجسيد لقرار اتخذه من قبل، إذ بحسب ما تؤكد المعلومات وما يرشح من اللقاءات التي يجريها، فإن الحريري بات مقتنعاً بأن وضعه متأزّم وهو يفكّر جديا بالسير بعون، وكل القصة تكمن في الإخراج الذي يجب اعتماده". وتختلف مقاربة المحلل السياسي ​طوني عيسى​ للموضوع عن حداد بشكل تام، حيث يرى أن "الهدف من كل الجو السياسي حاليا وكل المبادرات ليس انتخاب رئيس بل تهدئة عون"، مرجحاً أن "يكون رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية في هذه الأجواء، وأن لا يكون بالتالي خائفاً من أن يُستبدل بعون".

وفي حين أوحت تطورات الساعات الأخيرة بأنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري يتصدّر معارضي أيّ تسوية من شأنها إيصال عون إلى قصر بعبدا، تؤكد حداد أنّ "الأستاذ" هو من أقوى المفاوضين، وهي تستبعد انطلاقاً من ذلك أن يعارض انتخاب عون رئيساً إذا اتفق الجميع، لافتة في هذا السياق إلى كلامٍ صريحٍ من حزب الله مفاده أنّ الحزب يمكنه الكلام مع بري بعدما يعلن الحريري موقفه. وتؤكد حداد أن "لا عون ولا "حزب الله" يقبلان بالحديث عن مرحلة ما بعد الرئاسة والاتفاق على كل شيء مسبقاً لأن البعض يسعون وعبر هذا الأسلوب الى تفريغ الرئاسة من مضمونها وهذا ما لن يقبل به". إلا أنّ عيسى لا يرى هذا الكلام واقعياً، إذ يعتبر أن "كلّ الحركة هي لتخفيض مستوى الغضب عند عون، فالتصعيد في شهر تشرين الاول كان من شأنه أن يزعج كل الافرقاء، خصوصًا أنّ بري يسعى لعقد جلسات تشريعية"، ويعتبر أنّ أولى ثمار ذلك برزت في موقف "التيار الوطني الحر" من التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، "إذ لو قام عون بما كان ينوي القيام به لما مرّ هذا التمديد بهذه الطريقة السهلة".

وفيما تخشى سكارليت حداد من أن "تحترق الطبخة" في حال طال أمد التفاوض أكثر من ذلك، بسبب التدخلات الخارجية الكثيرة في الوضع اللبناني، تعرب عن اعتقادها بأنّ "لدى الحريري حاجة هذه الأيام لإنقاذ وضعه ويجب الاستفادة من هذه المسألة بأسرع وقت للاتيان برئيس"، معتبرة أنه "يجب انتظار الخارج ايضا، فحتى الان ما رشح عن السعودية انها غير ممانعة من انتخاب عون ولكن أحداً لا يعرف ما سيحدث في اللحظة الاخيرة"، وتقول: "فلننتظر ولنرى". في المقابل، يلفت عيسى الى أن "الوعود بالحلول الرئاسية ستأتي لعون تباعاً حتى ييأس ولا يعود قادراً حتى على التلويح حتى بالتصعيد"، منبّهاً إلى أن "أقرب المقربين من "الجنرال" لا يريدونه رئيساً".

وبين التفاؤل والتشاؤم، تبقى أعين "العونيين" على ذكرى 13 تشرين الأول 1990 التي بدأ العدّ العكسي لها، فهل يكون لها هذا العام طعم خاص في حال وصلت الامور الى النهايات السعيدة واعادت عمادهم الى قصر بعبدا رئيساً؟!