على الرغم من الإصرار العراقي على إستبعاد تركيا من عملية تحرير الموصل، لم يتوقف "الصراخ" الصادر من أنقرة حتى اليوم، فالرئيس ​رجب طيب أردوغان​ لا يزال يُصر على مواقفه السابقة، في حين يخرج رئيس الوزراء ​بن علي يلدريم​ ليقول أن طائرات بلاده تشارك في قصف مواقع تنظيم "داعش" الإرهابي في المدينة، في مؤشر إلى الرغبة في حجز موقع على خريطتها السياسية بعد إنتهاء العمليات العسكرية فيها، مع العلم أن تركيا حاضرة في قلب المشهد الحالي عبر حلفائها، أي قوات "البشمركة" الكردية و"الحشد الوطني" بزعامة المحافظ السابق أثيل النجيفي.

بالتزامن، عمد أردوغان، يوم أمس، إلى رفع السقف على الساحة السورية، من خلال الإعلان عن هدفين يعتبران من الخطوط الحمراء بالنسبة إلى موسكو وواشنطن، فهو حدد وجهة عملية "درع الفرات" المقبلة بمدينة الباب أولاً، ومن ثم مدينة منبج التي تسيطر عليها "​قوات سوريا الديمقراطية​"، بعد أن كانت فصائل "الجيش السوري الحر"، المدعومة من أنقرة، قد نجحت في تحرير العديد من القرى والبلدات في ريف حلب الشمالي، أبرزها كان دابق ذات الأهمية المعنوية والعقائدية لدى "داعش".

وفي حين نجحت القوات المدعومة من تركيا، منذ إنطلاق عملياتها العسكرية، بالسيطرة على منطقة بطول 90 كم وعمق 20 كم، تطمح أنقرة إلى الوصول إلى عمق 45 كم، مستفيدة من اللعب على التوازنات الإقليمية والدولية، لكنها تصطدم بالإعتراضات الأميركية والروسية، فالأولى لا تريد فتح معركة في منبج، نظراً إلى أنها كانت قد "حررتها" قبل أشهر بالتعاون مع حلفائها الأكراد، وبالتالي تصعيد أنقرة سيعيد الأزمة السابقة إلى نقطة البداية، في حين أن الثانية ترفض تمدد النفوذ التركي نحو الباب، حيث أن الإتفاق بين الجانبين لا يشملها، نظراً إلى أن السيطرة على هذه المدينة تعني أن أنقرة ستكون على أبواب ​مدينة حلب​ من جديد، الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به طهران بأي شكل من الأشكال، لا سيما أنها كانت أبرز الساعين إلى إبعادها عن الموصل.

بالتزامن، لا تتوقف القيادات التركية عن الحديث عن مشاورات مع الولايات المتحدة بشأن عملية مشتركة محتملة لإخراج عناصر "داعش" من مدينة الرقة، لا سيما أن قيادة "​قوات حماية الشعب الكردي​" لم تظهر أي حماسة نحو المشاركة فيها، مع العلم أن واشنطن كانت قد دعت هذه القوات، بعد تحرير منبج، إلى الإنسحاب إلى شرق الفرات والتحضير لها، بالإضافة إلى السعي لإقامة "منطقة آمنة" تغطي خمسة آلاف كيلومتر مربع في شمال سوريا.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، ينبغي مراقبة التطورات على الساحة العراقية، خصوصاً الأزمة السياسية بين أنقرة وبغداد ومواقف الولايات المتحدة منها، نظراً إلى أن الأخيرة هي من تقود العمليات العسكرية لتحرير الموصل فعلياً، بالتزامن مع رصد المسار الذي ستسلكه فصائل المعارضة السورية، المدعومة من تركيا، في ريف حلب الشمالي، لا سيما أن أردوغان غير متردد في تجاوز الخطوط الحمراء في هذه المرحلة، وهو يبني موقفه على حاجة الجميع إليه في ظل الخلافات بين موسكو وواشنطن، ويحظى على دعم من قبل أغلب الدول الخليجية، التي تسعى من خلاله إلى محاربة النفوذ الإيراني في سوريا والعراق.

بناء على ذلك، ستعمد تركيا إلى محاولة الحفاظ على أي دور لها على الساحة العراقية، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو عبر حلفائها المحليين، وهي تملك العديد من أوراق القوة على هذا الصعيد، لكنها في الوقت عينه ستسعى إلى توسيع رقعة نفوذها في الأراضي السورية، ضمن الأهداف المحددة مسبقاً بالسيطرة على الباب ومن ثم منبج، بالإضافة إلى إعلان الإستعداد للذهاب أبعد نحو الرقة، الأمر الذي ينفصل عن الأطماع السابقة التي كان حديث أردوغان عن إعادة النظر في إتفاقية لوزان التاريخية من ضمنها، وقد يكون إستبعادها عن المشاركة المباشرة في ​معركة الموصل​ فرصة لإستكمال مشروعها في ريف حلب الشمالي.

في المحصلة، تقف تركيا اليوم أمام مفترق طرق خطير، مستعيدة أطماعها السابقة في سوريا والعراق، التي تظهر من خلال بعض الخرائط لأراضيها، التي توزع وتشمل مناطق في البلدين المجاورين، حاملة لواء الدفاع عن المسلمين السنة، ولكن هل تنجح في تجاوز العراقيل التي قد تنفجر بوجهها؟