على الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ لتسويق تبني ترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية في بيئته الشعبية، لا يبدو أن الأمور تسير بالإتجاه الصحيح، بل على العكس "الشيخ" قد يواجه "إنتفاضة" في حال إعلانه الرسمي عن هذا الخيار، إنطلاقاً من رغبة الكثيرين بالإصطياد بالماء العكر.

من هذا المنطلق، تشير أوساط متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحريري، "الغارق" في مشاكله السياسية والمالية، يسعى من خلال هذه الخطوة إلى العودة إلى السراي الحكومي، على أمل أن يقوده ذلك إلى إستعادة "الزعامة" التي فقدها في السنوات السابقة، إنطلاقاً من مقولة أن "الناس ستكون مع صاحب السلطة"، لكنها تلفت إلى أن "الشيخ" يغامر في هذا الخيار من دون أن يكون له أي "ضمانات" خارجية أو داخلية، باستثناء دعم بعض القوى الغربية، لا سيما فرنسا، الراغبة في إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي، والتفاهمات التي أبرمها مع "الجنرال" حول العهد المقبل، فهو لم يحظ على ضوء أخضر سعودي واضح، بل إن ما نقل عن الرياض هو تركه يواجه مصيره وحده، في حين هي لا تتردد في "الإنفتاح" على باقي الأفرقاء داخل الطائفة السنية، بعد أن كانت تحصر "الزعامة" به.

بالتزامن مع هذا الواقع، توضح هذه الأوساط أن الرياض لم تقدم على أي خطوة باتجاه معالجة الأزمات الماليّة التي يمر بها، في حين على المستوى الداخلي لا يبدو أن رئاسة الحكومة مضمونة إلى حد بعيد، بسبب غياب التفاهم مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي قرر الذهاب نحو المعارضة، تاركاً تمثيل الطائفة الشيعية على طاولة مجلس الوزراء إلى "حزب الله". وفي حين هو قادر على تأمين حصوله على الأغلبية النيابية اللازمة لـ"التكليف"، تسأل الأوساط نفسها عن قدرته على "التأليف"، من دون إهمال عامل أن الحزب لن يكون متحمّساً للذهاب بأيّ خيار من دون التفاهم مع "الأستاذ"، وتضيف: "حتى لو وافق "حزب الله" على الذهاب إلى جلسة إنتخابية من دون تفاهم ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي، لن يقدم على الذهاب أبعد من ذلك نظراً إلى حرصه على وحدة الصف الشيعي".

على صعيد متصل، تشير هذه الأوساط إلى أن "الشيخ" لم يستطع حتى اليوم أن يقنع كامل أعضاء كتلته بهذا التوجه، حيث هناك أكثر من نائب أعلنوا صراحة أنهم لن يصوتوا لـ"الجنرال" مهما كان الثمن، والوضع ليس أفضل حالاً داخل تيار "المستقبل"، أما داخل البيئة الشعبية الحاضنة له فهناك أصوات معارضة ترتفع كل يوم، لا بل أن بعض الجهات باتت تدعو إلى "الإنتفاضة" على هذا الواقع الذي تسمّيه بـ"الإستسلامي"، وتتحدث عن إمكانية بروز حالات جديدة لشخصيات تكرر تجربة وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي في الإنتخابات البلدية الأخيرة في مدينة طرابلس، تحت شعار "المظلومية السنية" الذي يجتاح المنطقة.

من وجهة نظر مصادر في "المستقبل" معارضة لتوجه الحريري الجديد، مسار التنازلات بعد الإعلان الرسمي عن تبني خيار "الجنرال" لن يتوقف، وهو في الأصل بدأ لحظة الإعلان عن دعم رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ من دون ضمان وصول المبادرة إلى خواتيمها السعيدة، وتوضح أن "الشيخ" إنطلق من موقع "المهزوم" الساعي إلى العودة إلى السلطة بأسرع وقت ممكن، مبرماً إتفاقات ثنائية أولاً مع فرنجية وثانياً مع عون في حين كان من الأفضل أن يكون الإتفاق شاملاً كل قوى الثامن من آذار، بحيث لا يكون هناك من فرصة لأي من مكوّناته للمناورة، وتسأل: "بعد وصول "الجنرال" إلى قصر بعبدا من يضمن تسهيل مهمة "الشيخ" في تأليف الحكومة من دون إدخالها في بازارات لا يمكن القبول بها؟"، وتضيف: "حتى لو نجح الحريري في ذلك فإن مهمّته لن تكون سهلة على الإطلاق، فمعارضة بري القادر على تحريك كافة القطاعات المطلبية لن تكون ثانوية".

وتوضح هذه المصادر أن عمر الحكومة المقبلة لن يتجاوز الأشهر القليلة في حال تأليفها، وبالتالي هي لن تكون قادرة على تحسين واقع تيار "المستقبل" الشعبي، إلا بحال كان "الشيخ" يراهن على تمديد جديد لولاية المجلس النيابي، وتسأل: "هل سيوافق رئيس المجلس الذي لا يزال حتى الساعة خارج التسوية على هذا الأمر؟ وماذا عن موقف "الجنرال" منه؟"، لتجيب: "كل ما نقوم به هو مغامرة غير محسوبة النتائج في حال لم يكن التوافق يشمل كافة أفرقاء 8 آذار وبالتحديد بري".

في المحصلة، لم يستطع "الشيخ" في قلب رأي جمهوره بـ"الجنرال" خلال أيام قليلة، لا سيما أن شروط التسوية المفترضة لا تبدو أفضل من تلك السابقة، بل على العكس من ذلك هي غير مضمونة النتائج.