في فترةٍ وجيزة، تحوّل رئيس "تيار المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ من "الابن الروحي" لرئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، كما كان يصف نفسه، إلى "منافسه الأول" على مركز رئاسة الجمهورية، بل حتى إلى "خصمه الأشرس"، إن جاز التعبير، على الساحة اللبنانية.

فمنذ بدء الحديث عن سحب رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ دعمه لفرنجية ونقله لعون، و"بيك زغرتا" يشرّع لنفسه كلّ أساليب "المواجهة" بشكلٍ يبدو مفاجئاً حتى للمقرّبين منه، بدءاً من تغريدته الشهيرة عن مرحلة 1988(1)، وصولاً إلى فيديو "اللعبة البرتقالية" الساخر(2)، من دون أن ننسى ما يُحكى عن "تحدّيه" عون القبول بمناظرته إعلاميًا.

وإذا كانت "المفارقة" تبقى بـ"صمت" عون وفريقه الإعلامي على كلّ "الاستفزازات"، بل مبادلتها بـ"مهادنةٍ" قلّ نظيرها، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه، إلى أيّ مدى يمكن أن يذهب فرنجية في "حربه" على عون؟ ولماذا لا يحفظ "خطّ الرجعة"؟

إثبات وجود

حتى الأمس القريب، كان رئيس تيار "المردة" على يقين بأنّ أيّ "منازلة رئاسية" بينه وبين العماد ميشال عون ستكون لصالحه، وبفارقٍ كبير. ولكن، مع مستجدّات الساعات الأخيرة، وما يمكن وصفه بـ"شبه الإعلان" من قبل تيار المستقبل بدعم عون، تغيّرت المعادلة الحسابية، وباتت "الأكثرية" تميل لصالح عون وبفارقٍ غير بسيط أيضاً.

إلا أنّ هذا التغيّر لم يعدّل في "خريطة الطريق" التي يعتمدها فرنجية، الذي لا يزال يؤكّد لكلّ من يسأله أو يستفسر منه أنّه ماضٍ في ترشيحه للرئاسة، طالما أنّ هناك نائباً واحداً إلى جانبه ويقف على خاطره، وبالتالي فإنّ هذا الانسحاب ليس وارداً عنده إلا إذا لم يعد هناك أحدٌ على الإطلاق يدعمه. وفيما لا يزال مستبعَدًا أن يقوم "حزب الله" أو الرئيس السوري ​بشار الأسد​ بالطلب من "بيك زغرتا" الانسحاب بشكلٍ مباشر، فإنّ المحيطين به يؤكدون أنّ موقفه لم ولن يتغيّر بأيّ حالٍ من الأحوال، مع احترامه وتقديره للجميع.

بالنسبة لرئيس "المردة"، القضية هي إثبات وجود أولاً وأخيراً، وهو يريد القول للقاصي والداني أنّ له حيثيّته الخاصة التي لا يجوز تجاهلها. ويتحدّث المقرّبون من الرجل، والذين وجدوا أنفسهم خلال الأيام الماضية في حالة "استنفار" غير مسبوقة، عن "عتبٍ كبيرٍ" على عون وفريقه، مستذكرين كيف وقفوا إلى جانبه في السرّاء والضرّاء ولم يلقوا في المقابل شيئاً، بل على العكس من ذلك، تمّ تهميشهم والتعامل معهم كـ"رقمٍ ثانٍ" حتى في عزّ التحالف والشراكة ضمن تكتّلٍ واحد، مستدلّين على ذلك بـ"نوعية" الوزارات التي كان يحصل عليها "المردة" في الحكومات المتعاقبة من حصّة "التكتّل"، من دون أن يعترضوا يومًا على هذا الأمر.

أكثر من ذلك، يستغرب "المتعاطفون" مع فرنجية كيف أنّ لدى "التيار الوطني الحر" الجرأة لمطالبته اليوم بالانسحاب، بعدما وضعوا "العوائق" و"المطبّات" في طريقه طيلة الأشهر الماضية. من هنا، يختصرون السياسة التي يعتمدها فرنجية في هذا الخصوص بمبدأ متعارَف عليه عالميًا، وهو مبدأ "المعاملة بالمثل"، أو "كما تراني يا جميل أراك"، علمًا أنّ "البيك" كان قد قدّم كلّ التسهيلات والوعود لعون، من دون أن يوافق الأخير على إعطائه أيّ اعتبار، ولو كـ"خطة باء". ولذلك، ومن باب "حفظ الهيبة"، فإنّ فرنجية مستعدٌ لمنازلة "الجنرال" في البرلمان، ولو كانت النتيجة محسومة لصالح الأخير، وهم يعتبرون أنّ فرنجية لا يُلام بالتالي إذا لم يفِ بالتزاماتٍ قديمةٍ بدعم "الجنرال" في حال توافرت له فرص جدية، لأنّ الوقائع والمعطيات تغيّرت رأساً على عقب.

إلى المعارضة دُر

قرار فرنجية محسومٌ إذاً. هو مستمرّ بـ"المعركة" في وجه عون، حتى الرمق الأخير، وأياً كانت العواقب والأثمان، والتراجع بالنسبة إليه غير واردٍ، من قريبٍ أو من بعيد.

ولكن، إذا كان فرنجية يسعى من خلال ذلك إلى "ردّ الاعتبار" لنفسه بالدرجة الأولى، باعتبار أنّه لا يمكن أن يعود لدعم من يعتبر أنّه "طعنه"، فلماذا يقدم على التصعيد غير المسبوق في وجهه، من دون أن يترك أيّ "خط رجعة" ممكناً، ولو بعد حين؟

يرى كثيرون أنّ قرار فرنجية بالهجوم على عون ليس فردياً، بل يضعونه في سياق "حربٍ بالوكالة" كان ينفذها نيابةً عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بدليل أنّ "المردة" عاد خلال الساعات الأخيرة لينأى بنفسه بعض الشيء، مع تحوّل "المواجهة" في المقابل بين بري وعون لمباشرة، شرّع معها "الأستاذ" لنفسه كلّ الأسلحة، بما فيها تلك التي لطالما حرّمها على نفسه لسنواتٍ وسنوات. بمعنى آخر، يعتبر هؤلاء أنّ فرنجية ما كان ليمضي في مواجهته وتصعيده إلى هذا الحد، لو لم تكن هناك جهاتٌ سياسيةٌ معروفةٌ ومجهولة تدفعه لذلك دفعاً وتحرّضه على فعل المزيد، ربما من باب "الضغط" أو في محاولةٍ لـ"عرقلة" وصول "الجنرال".

وفي حين تختلف الآراء إزاء تصعيد فرنجية في وجه عون، حتى بين المقرّبين من زعيم "المردة" نفسه، خصوصًا أنّ انتقاداتٍ عديدةٍ وُجّهت له بأنّه دان نفسه من حيث لا يدري، عندما هاجم "العونيين" على ما كان يمارسه هو منذ الشغور الرئاسي بالتغيّب عن الجلسات، تشير كلّ المعطيات المتوافرة إلى أنّ الأمر قد حُسِم، ولا رجوع عن "الطلاق" مع عون، مهما كان مآل الاصطفافات السياسية المستجدّة، وبالتالي، فإنّ الاتجاه هو لصفوف "المعارضة" في حال وصول الجنرال إلى سُدّة الرئاسة. هذا الأمر يؤكّده المحيطون بفرنجية، الذين يعتبرون أنّ العودة إلى الوراء لم تعد واردة، وأنّ الاستحقاق الرئاسي، سواء نضج أم لم ينضج، سيترك تداعياتٍ كبيرة خصوصاً على صعيد التحالفات، والتي ثبت بالجرم المشهود أنها كانت بمعظمها مزيّفة ومشوّهة.

هل من أمل؟!

اصطفافاتٌ سياسية بدأت تتشكّل إذاً مع الإعلان عن "تفاهمات" يمكن أن تؤدّي لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. الأهمّ في الموضوع أنّ "نواة معارضة" بدأت تتشكّل نظرياً، قوامها حتى الساعة "حركة أمل" و"تيار المردة"، مضافاً إليهما الكثير من معارضي عون، كحزب "الكتائب" ومستقلي ما كان يسمّى بـ"14 آذار".

وفي وقتٍ تبقى هذه المعارضة "كلاماً بكلام"، طالما أنّ "تسوية" ربع الساعة الأخير لا بدّ وأن تشمل الجميع بموجب "العادات" اللبنانية، يبقى "أمل" الكثير من اللبنانيين بأن تتكرّس، فنعيش بعد مخاضٍ عسيرٍ نظاماً فيه شيءٌ ولو يسير من الديمقراطية، يعرف الموالاة كما المعارضة!

(1)بتاريخ 28 أيلول، غرّد النائب سليمان فرنجية "للتاريخ"، قائلاً: "إذا اتفق سعد الحريري مع عون وسمّاه لرئاسة الجمهورية سيحصد نفس النتيجة حينما سمّى الرئيس أمين الجميل عون رئيساً للحكومة سنة 1988".

(2)بتاريخ 14 تشرين الأول، نشر فرنجية فيديو يظهر لعبة برتقالية اللون يتمّ تشغيلها على "الريموت كونترول"، ولكنّها تصطدم بالحائط كيفما مالت، واعتُبر هذا الفيديو رسالة إلى العماد عون.