توحي كل المؤشرات بأن رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون سيكون رئيسَ الجمهورية المقبل، لا سيما بعد أن نجح بالحصول على دعم رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، بالإضافة إلى تفاهمه مع كل من "حزب الله" و"القوات اللبنانية"، لكن وفق معادلة جديدة قضت على الثنائية السياسية التي سيطرت في السنوات الأخيرة، على لبنان، بالتحديد منذ إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، 8 و14 آذار باتا من الماضي لكن ماذا بعد؟

من حيث المبدأ، القسم الأكبر من نواب قوى الثامن من آذار لن يذهب إلى الاقتراع لمرشحهم "الأول"، في جلسة الإنتخاب المقبلة المحدّدة في 31 تشرين الأول، في المقابل بات "الجنرال" مرشح الرابع عشر من آذار "الأبرز"، بعد أن حصل على دعم "الشيخ" و"الحكيم"، في حين لا يزال حزب "الكتائب" على معارضته، بالتكافل والتضامن مع أبرز النواب المستقلّين، ما يؤشر إلى ولادة معارضة جديدة من رحم الفريقين السابقين، عنوانها: "الحفاظ على الوجود". أما رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، الذي إختار البقاء في موقع وسطي بين التحالفين الكبيرين، لم يحسم موقفه بعد، فهو من جهة لا يريد البقاء خارج التسوية، ومن جهة ثانية لا يريد ترك حليفه الإستراتيجي رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحيداً.

من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، المشهد الحالي، على الساحة اللبنانية، يوحي بإعادة تشكيل تحالفات جديدة، قد يكون "حزب الله" هو المتضرّر الأول منها، بغض النظر عن حالة الإمتعاض التي تسيطر على جمهور تيار "المستقبل"، فالحزب يدرك جيداً أهميّة الحفاظ على وحدة الصف الشيعي، ولا يفضل خسارة حلفاء وقفوا الى جانبه على مدى سنوات طويلة، بالرغم من قناعته بأن هؤلاء لن يتخلوا عن خيار المقاومة مهما كان الثمن، نظراً إلى أنه من ضمن توجهاتهم الإستراتيجية، وكانوا قادرين على الإبتعاد عنه في ظروف أفضل.

بالتزامن، تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن كافة القوى والشخصيات المسيحيّة المعارضة لتحالف معراب تدرك خطورته على واقعها الإنتخابي، لا سيّما في ظل توجّه "القوات" و"الوطني الحر" إلى خوض الإنتخابات النيابية المقبلة ضمن لوائح موحّدة، كانت الصورة الأوليّة لها في الإنتخابات البلدية والإختياريّة في معظم القرى والبلدات، وما حصل مع كل من رئيس حزب "الوطنيين الأحرار" النائب دوري شمعون ووزير الإتصالات بطرس حرب وعضو كتلة "المستقبل" النائب هادي حبيش دليل على ذلك، من دون إهمال العلاقة التي لن تكون على أحسن حال مع حزب "الكتائب" برئاسة النائب سامي الجميل، بالإضافة إلى تيار "المردة" برئاسة النائب سليمان فرنجية الذي سيكون المستهدف الأول من هذه الثنائية.

إنطلاقاً من هذا الواقع، يمكن فهم مسارعة كل من وزير السياحة ميشال فرعون وعضو كتلة "المستقبل" النائب سيرج طورسركسيان إلى ضمان مقاعدهما عن دائرة الأشرفية، في حين يخاطر زملاء لهما في البقاء على ضفّة المرشح الآخر النائب فرنجية، وهي عملت في السباق على الترويج لتحالفات جديدة في الإنتخابات المقبلة، أبرزها نائب رئيس المجلس النيابي فريد فكاري، حيث كان في الإنتخابات البلدية الأخيرة إلى جانب "المردة" في غالبيّة القرى والبلدات.

من وجهة نظر المصادر نفسها، الصورة العامة لعهد "الجنرال" الرئاسي تشير إلى تكتل كبير يضم "المستقبل" و"الوطني الحر" و"القوات" و"حزب الله"، مع إمكانية إنضمام كل من "حركة أمل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" إليه، على أساس القاعدة التي يروج لها أنصار العماد عون منذ فترة طويلة، أي تحالف "الأقوياء" داخل كل طائفة ومذهب، لكن ماذا عن باقي الأفرقاء ممن يصنفون "ضعفاء" وفق هذه المعادلة؟

وفق هذا السيناريو، سيكون لبنان في الأيام المقبلة على موعد مع "مجلس حكم"، يسيطر على المجلس النيابي ومجلس الوزراء، يتوزع أبرز رموزه على الرئاسات الثلاث، في حين أن باقي الأفرقاء ممن كانوا على هذه الضفّة أو تلك سيدفعون الثمن، نظراً إلى عدم قدرتهم على حجز موقع لهم في المعادلة الجديدة، وهو ما سينطبق أيضاً على أركان ما يسمى بـ"المجتمع المدني"، فاللعبة ستكون محصورة بعدد قليل من الشخصيات السياسية، وسيكون النظام الحالي كسب جرعة دعم كبيرة عبر إعادة تحالف أركانه من جديد، مع العلم أن الملفّات الإقليمية والدولية قد تعيد شرذمته من جديد.

في المحصلة، "الجنرال" على بعد خطوات قليلة من الوصول إلى قصر بعبدا، ليكون رئيساً للعهد الجديد، في ظل أسئلة كبيرة حول الجمهورية والكيان، من المناصفة إلى المثالثة إلى غيرها من الطروحات التي ظهرت في المرحلة السابقة، لكن الأكيد أن المعادلة التي سيطرت على الساحة السياسية لسنوات ستنهار مع لحظة الإعلان عن فوزه في السباق.