لا تفوق الفرحة والحماسة التي تعم مقر رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون في الرابية حيث بدأ بالفعل العمل الجدي على نقل الطواقم الأمنية والاعلامية والسياسية وغيرها الى القصر الجمهوري في بعبدا، الا النشوة التي تعيشها معراب والتي تعتبر نفسها "أم الصبي" باشارة الى كونها الشريك الرئيسي للعماد عون في العهد الجديد، والأهم محط الأنظار بعد 6 سنوات، بحيث أنّه ولو نجح الجنرال قريبا بالوصول الى سدة الرئاسة تحت عنوان تأمين الميثاقية وبالتالي اختيار المرشح الأول للمسيحيين رئيسا للبلاد، فان كأس الرئاسة ستنتقل مباشرة وتلقائيا الى خصمه التاريخي اللدود وحليفه المقرب الجديد رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​.

ولعل تكريس هذا المنطق في أي انتخابات رئاسية مقبلة، هو ما يجعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري يرفض رفضا قاطعا السير بعون رئيسا في الظروف والمعطيات الحالية، وهو نفسه ما قد يضع حزب الله في موقع المتردد والمحرج... الا أنّه وفي كل الأحوال، لا موقف بري ولا ما سيصدر عن حزب الله، "سينغّص" على جعجع والمحيطين به فرحة انتصارهم باقناع رئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ بتبني ترشيح العماد عون. هم لا شك يتمنون أن تكون الخواتيم سعيدة، فينتقل الجنرال في أقرب فرصة من الرابية الى بعبدا، الا أنّهم يعتبرون أنّهم حققوا نصرا كبيرا وتقدموا خطوات كبيرة على مسار ترسيخ وجودهم وتمثيلهم على الصعيد المسيحي، والأهم نجحوا بأن يضعوا حدا لصورة جعجع التي لطالما انطبعت بالأذهان، رئيس الميليشيا الذي انتهى به الأمر في زنزانة طوال 11 عاما، ليصبح عمليا مرشحا فعليا وحقيقيا لرئاسة الجمهورية في العام 2022.

وليست الزيارة التي قام بها رئيس "القوات" الى الرابية بعد ساعات من اعلان الحريري تأييده عون، الا ترسيخا لحلف "المسيحيين الأقوياء" الذي أشرف أمين سر تكتل التغيير والاصلاح النائب ​ابراهيم كنعان​ ورئيس جهاز الاعلام والتواصل في "القوات" ملحم رياشي على نموه حتى تحوّل ناضجا بما فيه الكفاية ليفرض تحولات غير مسبوقة في المشهد السياسي اللبناني.

وبعكس ما يُشاع، ويعتقد البعض، أن عون وجعجع لم يتّفقا على تقاسم الوزارات السيادية، بل هما اتفقا، وبحسب مصادر مطلعة، على أن يديرا العهد الجديد يدا بيد وتحصل "القوات" على وزارات ذات طابع خدماتي لا سيادي لحسابات انتخابية ولاقتناع الطرفين بأن "وزارة بالزايد أو أخرى بالناقص لن تؤثر كثيرا في المنحى والمسار الجديد الذي يضمن عدم تخطي ممثليْ الأكثرية المسيحية، لا بل يجعلهما الى جانب تيار "المستقبل" وحزب الله، أركان السلطة المقبلة".

والأرجح ان لا سلاح حزب الله ولا قتاله في سوريا، ملفات باتت ذات طابع "أولي" لدى "القوات" التي رضخت للأمر الواقع بأنّها قضايا باتت عمليا ذات أبعاد دولية، لا قرار فيها للأطراف الداخلية، لذلك تراها لا تعير الكثير من الأهمية للخطاب الذي سوف يتبناه العماد عون في عهده المقبل، تماما كما تيار "المستقبل" الذي على ما يبدو يتجه لتبني السياسة التركيّة الجديدة في التعاطي مع الملف السوري، ليعطي الأولوية للملفات اللبنانية ولاعادة ضبط شارعه المنشقّ عن القيادة.

وبانتظار تبيان ما اذا كان الحلم العوني–القواتي سيلامس الواقع خلال أيام ام سيبقى يتجول بين الرابية ومعراب الى أجل غير مسمى، قد يكون من الواجب في مكان تسمية الأمور بأسمائها، من خلال التأكيد على براعة مطبخ جعجع السياسي، والذي يرسخ يوما بعد يوم زعيم "القوات" رقما صعبا في المعادلة اللبنانية، يتقن ادارة اللعبة الداخلية بالتخطيط الاستراتيجي وليس بـ"ردات الفعل الطائفية والمذهبية"، وهي سياسة تتقنها باقي القيادات، وستؤدي عمليا لاضمحلالها وذوبانها كليا في البحر الهائج من حولنا الذي يبتلع الهواة.