شاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن يكون الملف الرئاسي سمة خطابه المفصلي. وضع النقاط على الحروف بعد مشهدية بيت الوسط ودعم الرئيس سعد الحريري ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.

جاء خطاب الأمين العام رئاسياً في ظهور يختلف عن إطلالته التلفزيونية. لا يغفل العونيون أنّ ذكرى الشهيد القائد الحاج حاتم أديب حمادي، وإخوانه هي ذكرى شهادة لقائد مقاوم عرفوا جوانب كثيرة وهامة لبطل مقاوم يجب أن يفتخر بها كلّ لبناني، سواء خلال عدوان تموز 2006 أو على التخوم الشرقية أو ما بعد التخوم الشرقية حماية لبلدات البقاع الشمالي، والإنجاز النوعي الأهمّ الذي يعنينا بالمباشر القلمون ومصانع تفخيخ السيارات الإرهابية.

يفهم البرتقاليون بغالبيتهم معنى هذه المناسبة. يفهمون ما قاله سيد المقاومة من كلام سياسي في مثل هذا المقام، لأنه يضفي الكثير من الموضوعية والتصميم والصدق الذي لا ينقص أصلاً الأمين العام لحزب الله في أية مقاربة لشؤون لبنان وشجونه.

قدّم حزب الله تضحية كبيرة جداً، كما قال السيد نصرالله، بعدم ممانعته تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة. كان بإمكان "السيد" القول "خطنا انتصر ولا أريد الحريري رئيساً للحكومة".

لم يتراجع عن إيجابيته في التعاطي بالشأن الحكومي، رغم أنّ خطاب بيت الوسط الخميس الماضي كان تصعيدياً. حمل تجنياً على الحزب. لم يقف الأمين العام لحزب الله عند هذا الموضوع وإنْ كان له حق الردّ ولكن ليس الآن، كما ورد في خطابه أمس.

قارب السيد الانتخابات الرئاسية من محاور عدة، وفق قطب بارز على تماس بالرابية، أنّ التصميم على الذهاب لجلسة الإثنين المقبل والاقتراع لمصلحة مرشح حزب الله منذ اللحظة الأولى العماد عون، كانا المحور الأهمّ في الخطاب، إنْ بقي هناك مَن يشكّك.

كلّ ذلك، يجعل جلسة 31 الحالي قائمة ليس فقط كنصاب؛ بل من حيث تصميم حارة حريك على انتخاب جنرال الرابية رئيساً للجمهورية في الجلسة التي حدّدها الرئيس نبيه بري، لأنّ جميع الأفرقاء السياسيين اتخذوا قراراً بتأمين النصاب القانوني.

وبذلك يكون السيد نصرالله، وفق القطب البارز نفسه، أبقى على الخط البياني الأول منذ أعلن العماد ترشحه واعتباره المرشح الاستراتيجي، ولا يزال على هذا الخط ولم يبدّله، إنما أعطاه كلّ حظوظه الواقعية بأن يصل إلى خواتيمه المرجوة.

يمرّ هذا الخط البياني بمسألة مصارحة الأمين العام لحزب الله اللبنانيين أنّ معركة النصاب استحالت، لأنه لم يكن متأكداً أو معتقداً أنّ الجلسة التي تلت الجلسة الأولى كان ممكناً الإتيان بالرئيس الفخري للتيار الوطني الحر رئيساً.

رغم أهمية هذا المحور المفصلية، لا تقلّ المحطات الأخرى في خطاب السيد أهمية. فأهمّ ما يصبو إليه حزب الله هو الاستقرار في لبنان. شرح الأمين العام لحزب الله بصورة مفصلة أنّ الوضع اللبناني مركّب وليس في حالة تبعية. يمكن أن يحمل التحالف ضمن المحور الواحد بعض الاختلاف في المواقف من دون أن يعني ذلك أنّ الاختلاف هو نزاع.

وخصّ حركة أمل بوصفها الطرف الثاني بالثنائية الشيعية المتماسكة، كدلالة على أنّ البيت الشيعي متراصٌّ. لن يُخرَق. لن يكون أحد قادراً على زرع فتنة داخله.

أعفى السيد نصرالله نفسه من أيّ سبب آخر لعدم التصويت للوزير فرنجية (المتفهّم الالتزام الأخلاقي والسياسي بدعم حزب الله العماد عون).

أعطى السيد رئيس المرده الحرية في اتخاذ الموقف المناسب. لكنه في الوقت نفسه سيعمل على الحلفاء. سيبذل جهداً وسيواصله، لكن على افتراض أنّ النتائج لم تؤدّ غرضها، فهو ذاهب لانتخاب الجنرال.

النقطة الأهمّ في خطاب قائد المقاومة أنّ أحداً لا يمكنه أن يدخل على خط العلاقة مع التيار الوطني الحر. غمز من ناحية الدكتور سميرجعجع بالاتهام، وتأثّر بعض القواعد البرتقالية الشعبية بمثل هذه الافتراءات.

أكد السيد نصر الله المؤكد. لا يحتمل الالتزام الصافي القوي أيّ تأويل. وبقدر حرص حزب الله على التفاهم، فإنّ العماد عون، بحسب القطب السياسي البارز، حريص على العلاقة الوجودية إلى أقصى الحدود.

علاقة الرابية - حارة حريك صلبة. مرتكزها اقتناع مشترك. مذكرة التفاهم عمرها أكثر من عشر سنوات. مرت بظروف قاسية لم تكن دائماً زهرية. لذلك هي مذكرة قابلة الديمومة. عصية على الاختراق. عصية على الانكسار.

تدرك الرابية أنّ السيد أول من رشح وصمد. حمى هذا الترشيح في معركة النصاب، ما جعلها تتمسك أكثر فأكثر بهذا التفاهم، على أن يجري اجتماع تكتل التغيير والإصلاح غداً قراءة لهذا الخطاب النوعي.

يقرأ القطب نفسه، بالسيد نصرالله، أنه قائد ثابت على صدقه، على وعده، على التزامه، ولو كلفه ذلك خلاف أو اختلاف مع حركة أمل، رغم الرابط العضوي الإيماني العقائدي السياسي بينهما، والذي شرحه السيد بالتفصيل. فكان خطابه خطاباً واقعياً مهماً في لحظة حاسمة. نبادله. نراكم عليه.

لم يعقد التيار البرتقالي اتفاقات في الخفاء عن الحليف الأصفر. كلّ التفاهمات حصلت بالتنسيق مع الضاحية الجنوبية. يرى المصدر المقرّب من الرابية أنّ توسيع مسرح التفاهم حتى بات يشمل القوات والمستقبل، راكم ميثاقياً حظوظ وصول العماد عون الى سدة الرئاسة.

لم يشكك العونيون يوماً في النيات، وحسناً فعل السيد وفق المعنيين، أنه أنكر ما سُمِّي بمبادرة رئيس حركة أمل إلى التهديد بحروب أهلية وتوصيف الثنائيات. قطع الشك باليقين. أعطى مصداقية أكبر، عندما أكد أنّ هذا الكلام لم يُقَل، وأنّ بعض الجهات المغرضة نسبت للرئيس بري ما لم يُدلِ معاونه به.

ما لم يقله الأمين العام لحزب الله قاله بطريقة غير مباشرة، وهو أنّ خط المقاومة في نهاية المطاف حقق انتصاراً في مكان ما بوصول الجنرال إلى سدة الرئاسة. لم يقله لأنه أراد أن يُخرج الصراع من معادلة منتصر وخاسر. رغب أن يضعه في خانة التوافق المرادف للاستقرار العام. حمى هذا الترشيح. أعفى كلّ فريق سياسي من أن يبرّر موقفه.

وعليه، فإنّ نواب كتلة الوفاء للمقاومة سينزلون إلى جلسة انتخاب الرئيس الـ 46 في 31 الحالي. سينتخبون الجنرال؛ وسيحصد حزب الله عون رئيساً.

حزب الله وعده صادق. مَن يربح كلّ معاركه الميدانية فلن يخسر في استحقاق سياسي بهذه الأهمية.