في ظل غياب التفاهمات حول مستقبل مدينة ​الموصل​ ​العراق​ية، أو بشكل أدق محافظة نينوى ذات الخليط الطائفي المتنوع، كان من الطبيعي ألاّ تكون معركة تحريرها بالسهولة التي يتصورها البعض، في ظل تناقض وتضارب المشاريع التي تشارك فيها بعض الجهات الإقليمية والدولية، وهو ما يظهر بشكل يومي من خلال عمل تنظيم "داعش" الإرهابي على توسيع رقعة المواجهة، الأمر الذي سيقود حتماً إلى إستدراج المزيد من "الطامعين" إلى "بلاد الرافدين".

وفي حين يراقب الجميع مصير هذه المواجهة، ذات الأهداف المتعددة، نظراً إلى تداعياتها الكبيرة على مستقبل العراق ومنطقة الشرق الأوسط، بات من الواضح أنها لن تكون بالصورة التي بدت فيها يوم أعلن عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، في ظل تعدد الجهات الإقليمية والدولية التي تدفع بقواتها العسكرية إلى قلب المعركة، والتي من المؤكد أنها لا تقدم خدمات مجانية، بل هي راغبة في حجز مكان لها في المشهد السياسي الجديد.

في هذا السياق، تعمّد "داعش" توسيع رقعة المواجهة، في الأيام الأخيرة، عبر تحريك بعض الخلايا النائمة في هجوم على مدينة الرطبة، القريبة من الحدود العراقية الأردنية، والتي كان الجيش العراقي قد استعادها قبل نحو شهر ونصف الشهر، بعد أن كان قام بالأمر نفسه في مدينة كركوك ذات الأهمية النفطية الكبيرة، والتي هي من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، بالإضافة إلى أنقرة التي لا تغيب عن المشهد السياسي والعسكري عبر المشاركة في عملية تحرير الموصل.

وعلى الرغم من إصرار الحكومة العراقية على رفض مشاركة القوات التركية المتواجدة في معسكر بعشيقة، بالقرب من الموصل، في ظل الضغوط التي مارسها وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر مؤخراً، يبدو أن أنقرة نجحت في حجز موقع لها في المعركة، عبر التعاون والتنسيق مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني، حيث لعبت دوراً في تحرير مدينة بعشيقة، من خلال تقديم الدعم والإسناد إلى قوات البشمركة الكردية التي حررت المدينة.

بالنسبة إلى الحكومة التركية، التي نجحت بالدخول إلى المشهد العسكري السوري من البوابة الواسعة عبر عملية "درع الفرات"، ليس هناك ما يمنع قيامها بالأمر نفسه على حدودها مع العراق، فالرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يحظى بدعم غالبيّة الدول الخليجية في رؤيته للأحداث العراقية والسورية، لم يتردد من دعوة العبادي إلى أن يلزم حدوده، فهو يدرك أنه قادر على اللعب على التناقضات في "بلاد الرافدين" الى حدّ بعيد، سواء كان ذلك عبر التحالف مع الأكراد أو مع فصائل "الحشد الوطني" التي دربتها ودعمها قواته العسكرية، لكن كيف هو الواقع بالنسبة إلى باقي الأفرقاء؟

بالتزامن، يعمل "داعش" على الإستفادة من نقاط ضعف العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، بهدف إطالة أمد المعارك أكبر قدر ممكن، ربما بضغط وتخطيط من قبل بعض الجهّات غير الراغبة في إنهاء المواجهة قبل تحقيق أهدافها، بعد أن كان الحديث السابق عن إمكانية إنسحاب عناصره إلى الأراضي السورية، عبر فتح المجال أمامها لذلك، ما يساهم بشكل رئيسي بتشتيت الزخم الهجومي، الأمر الذي سيقود حتماً إلى المزيد من التعقيد في المشهد.

ما تقدم يدفع إلى طرح علامات إستفهام حول رفض واشنطن تطهير قضاء الحويجة، الذي انطلقت منه الهجمات نحو كركوك قبل البدء بمعركة الموصل وإمكانية إرتباط ذلك بالواقع الذي ستكون عليه المدينة في المستقبل، بالإضافة إلى ترك الطريق المؤدّي الى الرقّة السوريّة مفتوحاً أمام قادة "داعش" ليتمكنوا من الفرار، في وقت تريد فيه واشنطن الإنتهاء من المعركة الحالية بغرض الإستفادة منها في السباق إلى البيت الأبيض.

من هذا المنطلق، ينبغي إعادة ترتيب المشهد من جديد، حيث تريد تركيا المشاركة في تحرير الموصل لتحقيق مصالحها وأطماعها التاريخية في العراق، أما إيران فهي نجحت بفرض مشاركة قوات "الحشد الشعبي" المتحالفة معها، بالرغم من الإعتراضات الكثيرة التي وضعت في طريقها، في حين أن الهجوم على الرطبة قد يقود إلى تدخل الأردن في المواجهة، في ظل الإنتقادات التي توجه إلى بغداد بسبب تأخرها بإصدار أوامر تجنيد متطوعين من أبناء المنطقة وفي دفع رواتبهم.

على هذا الصعيد، لا يجب إهمال ما نقل عن مسؤول في وزارة الدفاع الأردنية، مؤخّرًا، من أن الجيش يراقب الاشتباكات التي تحصل في الرطبة، وسوف يتدخل وفق قواعد الاشتباك في حال اقتربت المعارك من أراضيه، مع العلم أن الحكومة الأردنية سبق لها أن أعلنت المناطق الحدودية الشمالية والشمالية الشرقية، مناطق عسكرية مغلقة وفي حال وجود أي تحركات غير اعتيادية فسوف تتعامل معها وفق قواعد الاشتباك المعمول بها.

في المحصلة، معركة تحرير الموصل تقود إلى المزيد من التعقيد في المشهد العراقي، في ظل رغبة جهات إقليمية ودولية حجز موقع لها على أرض الواقع.