الرئيس نبيه بري كان اول من يعلم بأن العماد ميشال عون سيكون رئيساً للجمهورية بعد شغور طويل في بعبدا. اذ ابلغ بري حزب الله منذ شهرين ان رجلهم قد فاز. ومبروك ربحتم. وطيلة الاسابيع الثمانية الماضية ادار حزب الله معركة ايصال عون الى بعبدا على نار هادئة وتابع الخطوات التالية لاتصال بري بدقة وهدوء وصمت. ويبدو ان القيادات الاساسية الكبرى كبرّي والنائب وليد جنبلاط والنائب سليمان فرنجية والرئيس سعد الحريري كانوا جميعاً على علم بما يجري ولكن كلًا منهم "بلع" انتصار عون وحزب الله على طريقته وصرفه على طريقته لحزبه او كتلته وكوادره وقيادته الشعبية. وحده الشعب اللبناني والشعب "الفايسبوكي" كانا آخر من يعلمان ما يجري حولهما وصالا وجالا في التهديد والوعيد والتنكيت والمسخرة والاستهزاء بفلان وعلان. فساهمت كل هذه الضوضاء وكل هذه السجالات والتصاريح في وسائل الاعلام بحجب الصورة الحقيقية لـ"طبخة" ترئيس عون كي لا تحترق. ومما لا شك فيه ايضاً ان عدم الاهتمام الدولي والاقليمي بالاستحقاق الرئاسي كان يقابله عدم ممانعة في تظهير اي حل لبناني يبقي هذا البلد المنهك والضعيف في كل مستوياته باستثناء الجهوزية الامنية والعسكرية و"المقاوماتية" بالاضافة الى قرار كبير من كل مكان بعدم تفجير لبنان.

وعليه لم تعترض اميركا في الامتار الاخيرة على عون ولو كان تصريح وزير الخارجية جون كيري اشبه بتكهنات "الحايك" و"عبد اللطيف" قد تصيب او تخيب "انت وحظك" ما خربط بعض الوقت الساحتين العونية واللبنانية. ليتبين ان الاميركيين لا يمانعون في وصول عون الى بعبدا هذه المرة بدليل صمت الرئيس فؤاد السنيورة ابنهم اللبناني المدلل ولو انه أكد انه لن يصوت لمصلحة عون في جلسة 31 الجاري. في المقابل لم ينجح ميشال سليمان وبعض النواب المسيحيين المستقلين في تحريض بعض حاشية الملك السعودي على استصدار حُرم ملكي على الحريري ومنعه من تأييد ترشيح عون ومن ثم وضع فيتو على اسمه بعد الاعلان الحريري. وبعد فشل الحصول على الفيتو يسعى اليوم سليمان والوزير بطرس حرب ومعهما بعض النواب المستقلين والمتضررين من وصول عون الى بعبدا للعبة تعطيل نصاب رد عليها بري من جنيف، فالنصاب في جيبي.

قبل سفره الى جنيف التقى الرئيس بري السيد حسن نصرالله الخميس الماضي في جلسة مسائية مطولة ناقش فيها الطرفان انتخاب عون. فعبر بري لنصرالله عن الاسباب التي تمنعه من انتخابه والتصويت له منذ رفض عون التصويت لبري لرئاسة مجلس النواب في العام 2005 واستمرار مسلسل الحذر بين الرجلين وغياب الانسجام والكيمياء بينهما. فبري لا يهضم عون على المستوى السياسي ويرى فيه مصدراً للقلق وعدم الارتياح. وسيتعامل بري مع عهد عون بما يقتضيه الظرف من دون ان يسمح للتباين الشخصي والسياسي في تضرر العلاقة بين مؤسستي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب. سيحضر بري جلسة انتخاب عون في 31 تشرين الاول وسيعمل على تأمين النصاب الكامل لكنه لن يصوت لعون هو وكتلته ولن يسمح له بتجاوز المئة صوت في احسن الاحوال. في تشكيل حكومة عهد عون الاولى برئاسة الحريري يريد بري ضمانات ووزارات محددة كبقاء المالية في عهدته وحصوله على وزارة الطاقة والنفط وان يكون ملف النفط في عهدته. ويتردد انه يريد وزارة خدماتية وازنة ويؤكد الجنبلاطيون ان بري يريد استعادة الصحة. في المقابل سيحصل عون على الاتصالات والدفاع والخارجية والتربية وستبقى الداخلية من حصة المستقبل وستحصل القوات على حصة الكتائب في الحكومة. ويتردد انها ستكون موسعة من 30 او 24 وشبيهة بحكومة تمام سلام وليس بالضرورة الاسماء نفسها.

بعد يومين اي مساء السبت عاد نصرالله والتقى عون وتشاورا في مرحلة ما بعد انتخاب الاخير أواخر الجاري وطريقة ادارة العلاقة بين عون وبري ومنع الاحتكاكات "على التوتر العالي" لان المصلحة الوطنية تقتضي "هدنة" بين الرجلين ولا داعي لتوتير الاجواء كل ما دق الكوز بالجرة بعد الانتخاب.

في 31 الجاري يسدد حزب الله فاتورة اكبر من دينه لعون منذ تفاهم مخارمخايل وعدوان تموز 2006 ليصل الى مرحلة ادارة البلاد بحكم تسوية "داخلية" جعلته في "بوز المدفع" ومرشحه فيها ثلاثة: عون والحريري وبري وكل من الثلاثة بات في حاجة الى اعادة لململة شارعه وشد عصبه والثلاثة على مفترقات طرق سياسية في مسيراتهم كما ان للحزب الاصفر هاجسًا وحيدًا ان يبقى لبنان مستقراً ويشكل باحة خلفية للمقاومة ومعاركها في طول الاقليم وعرضه.