مِن المنتظر أن يكون هذا الأسبوع حاسماً بالنسبة إلى مصير الاستحقاق الرئاسي، فإمّا أن تكون جلسة الانتخاب السادسة والأربعون نهائية، وإمّا يحصل تطوّر سياسي ما ليس في الحِسبان ويغيّر المسار القائم ويُدخل الاستحقاق في متاهة جديدة.

فيما ينشط مؤيّدو التسوية المطروحة في مختلف الاتجاهات للوصول بها الى النهايات السعيدة، ينشط معارضوها في المقابل للنفاذ بخياراتهم تحت قبّة البرلمان وخارجها بما يفرض التسوية التي يريدون.

مؤيّدو التسوية يقولون إنّ موضوع رئاسة الجمهورية قد «حُسِم» لمصلحة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، وإنّ الامور سائرة لمصحة انتخابه في الجلسة الانتخابية الاثنين المقبل، ويؤكدون انّهم «واثقون» من أن لا شيء سيُحبطها، اللهم إلّا إذا طرأ ما يعطل الجلسة او يغيّر المسار وقواعد اللعبة.

ويشير هؤلاء الى انّ معارضي انتخاب عون، سيستمرّون في هذه المعارضة التي ستمتد الى معارضة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، وقد يُحجمون عن المشاركة في حكومة العهد الأولى، خصوصاً أنّ بعضهم يشعر بأنه تعرّضَ في مكانٍ ما لخديعة لا يمكن محوُها بسهولة.

وفي ظلّ الغموض الذي يلف موقفَ الرياض من مبادرة الحريري، والذي يفسّره البعض بأنه رفضٌ لها، فإنّ بعض المعنيين بالاستحقاق يؤكدون انّ الرياض هي في جو هذه المبادرة الحريرية ولكنّها تتركها على مسؤولية صاحبها، وأنّها إذا سئلت يوماً عن موقفها فإنها ستؤكد انّها ستحكم على أداء الحريري وما سيَقوم به، ولكن عندما يؤلّف الحكومة فإنها ستواكبه، امّا إذا لم يتمكن من هذا التأليف فإنّه سيتحمّل المسؤولية وحده لأنّها لم تعلن تأييدَ مبادرته في الاساس.

ويضيف هؤلاء انّ الجانب السعودي، الذي في موقع المسؤولية في الوضع اللبناني، ليس غيرَ متحمّس للمبادرة فقط وإنما لا يضع نفسه في موقع القادر على رفضِها. وحتى إيران، يقول هؤلاء، لم تكن على علم بما حصَل إلّا عندما قرّر الحريري المضيّ في الاتفاق مع عون.

وفيما سيتعاطى حزب الله بمنطق «التفهّم المتبادل» مع حلفائه في الموقف من التسوية بين عون والحريري فإنه بنى موقفَه على اساس الفصل بين ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي لضمان الاستقرار الامني والاقتصادي والمالي المهدّد بالمخاطر، وبين الموقف السعودي، إذ سيستمر في إطلاق النار المتبادل بين الجانبين، وهذا الفصل في مكان ما أعطى هامشاً لأن يكون الاستحقاق الرئاسي هذه المرة لبنانياً ولكن ضمن مواكبة اقليمية ودولية على قاعدة ربط النزاع.

حتى إنّ الحزب إذا قرّر المشاركة في حكومة برئاسة الحريري فإنّ ذلك سيكون على «قاعدة المساكنة» وليس على «قاعدة المصالحة»، اي ربط نزاع ايضاً.

على انّ اللقاء الذي انعقد بين السيّد نصرالله وعون تخلّله بحث في الاستحقاق من كلّ جوانبه، شرح خلاله السيّد اهمّية ما أخَذه الحريري من الحزب من عدم ممانعة لتولّيه رئاسة الحكومة بغية تسهيل وصول عون الى رئاسة الجمهورية، مذكّراً كيف انّ الحزب رفض ان يعاود الحريري تشكيلَ الحكومة بداية 2011، وأصرّ على استقالته رغم أنّه كان معروضاً عليه، أي الحزب، إلغاء المحكمة الدولية وأن يكون شريكاً في كلّ شيء، ليخلص السيّد الى القول إنّ الحزب ليس اضعفَ ممّا كان عليه ذلك الوقت، ولكنّه رغب في ان ينجز الاستحقاق لمصلحة عون مقروناً بعدم ممانعته ان يكون الحريري رئيساً للحكومة.

على انّ مواكبين للاستحقاق يقولون إنّ لوحة جلسةِ 31 الجاري باتَت واضحة، فما يمكن ان يمرّر اصبَح واضحاً، وما يمكن ان يُرحَّل اصبَح واضحاً ايضاً، إذ لا تسوية سياسية كبرى في أفق مرافقة لحظة الانتخاب الرئاسي، لكنْ واضحٌ ايضاً انّ الفصل السياسي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هو فصلٌ عميق، وبالتالي فإنّ ما يشكّل مظلة لانتخاب الرئيس قد لا يشكّل مظلة لتسمية رئيس الحكومة، وحتى إنّ هذه التسمية قد لا تشكّل اساساً كافياً للتفاهمات التي يجب ان ترافقَ تأليف الحكومة، وعلى هذا الاساس يمكن القول إنّ هناك نصف إنجاز سنكون امامه بانتخاب الرئيس، ليبقى انّ فترة السماح التي يجب ان تتوافر، وهي ما تتوافر عادةً لكلّ عهد في بدايته، هي العقدة الكبيرة التي سيجري العمل على نسجها أو بنائها، وأنّ عدم حصول ذلك سينقل البلاد في السياسة من أزمة الانتخاب الى أزمة ما بعد الانتخاب.

والذين يراهنون على عدم حصول الانتخاب في حال خابَ رهانُهم، فإنّهم سينقلون هذا الرهان ليكونَ على عدم انطلاق ماكينة العهد المقبل بقوّة الدفع المطلوبة.