لم يعد التشويق ينفع، ولم يعد هناك من مكان للمفاجآت، ولم يعد احد يصدّق ان جلسة 31 من الشهر الحالي لن تؤدي الى انتخاب رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. صحيح ان لا احد يعلم الغيب، ولكن نسبة عدم حصول هذا السيناريو، هي النسبة نفسها لحصول حدث غير طبيعي او استثنائي جداً وخارج اطر السياسة حتماً.

اليوم، باتت الصورة واضحة: سينتخب عون رئيساً للجمهورية انما ليس بنسبة شاملة ولكن بغالبية نيابية مهمة، وسيعزو كل طرف سياسي في لبنان لنفسه الفضل في ان ما سيشهده مجلس النواب من معركة انتخابية، هو بسبب تعلقه (اي الطرف السياسي) بالديمقراطية التي بقيت حية وادت الى عدم الاقتراع لمرشح واحد وحيد. ولكن، لاننا في لبنان، بات الحديث عما بعد بعد الانتخاب، اي مسألة الحكومة وتشكيلها. وفي هذا السياق، نزلت الى "الاسواق الاعلامية والاجتماعية" اسماء عدة، حتى انه تم تحديد حصة الاطراف من الحقائب الوزارية و"معالي الوزراء" الذين سيتولون وزاراتهم.

اسماء طرحت انما بهدف غير معروف، فهل هو لحرقها واستبعادها ام انها للتذكير بأن حظوظ آخرين في بعض الحقائب غير متوفرة، ام لغايات اخرى؟ الاكيد ان طرح الاسماء لا يزال مبكراً ومبكراً جداً، لاسباب كثيرة ومنها معرفة عدد الاصوات التي سينالها رئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ لتكليفه تشكيل الحكومة، ومعرفة الخريطة السياسية الجديدة بعد "انهيار" قوى 8 و14 آذار وتشتتها، وما اذا كان "المستقلون" (اذا ما بقوا على هذه التسمية) سيتمثلون في الحكومة العتيدة، ومن سيحوز على الثلث الضامن ووفق اي شروط؟ واذا كانت كل هذه الامور غير واضحة المعالم بعد، وتحتاج الى اسابيع كي ينقشع غبارها، واذا كانت الحكومات السابقة في العهود السابقة قد احتاجت الى اسابيع واشهر لتتشكل مع طرح كمية كبيرة من الاسماء لم تصب في معظم الاحيان، فما الذي تغير اليوم، خصوصاً وانه تم رفض التعاطي بمفهوم "السلة" التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري؟

لا يمكن الجزم بما يتم طرحه من اسماء وملاءمتها لوزارات، والا اصبحنا كالمنجّمين الذين يقولون شيئاً ويعملون لاحقاً على تعديله ليتناسب مع الاحداث. كل ما يتم طرحه لا يعدو سوى تكهنات او توقعات، قد تصح او قد تخيب، فقد تشهد الحكومة او لا تشهد اسماء (مع حفظ الالقاب) على غرار: ايلي الفرزلي، شامل روكز، سمير الجسر، ايلي كيروز، سليم جريصاتي، طراد حمادة، غازي العريضي، علي حسن خليل، نهاد المشنوق وغيرهم... هذه الاسماء طرحت في الاعلام وفي الصالونات الاجتماعية لسياسيين ورسميين، ولكنها كما انها ليست الوحيدة، لا يمكن تأكيد وصولها الى الحكومة.

اما ما يمكن تأكيده فهو ان البعض وضع نفسه في المعارضة منذ الآن، ومهما حاول تجميل موقفه او تخفيفه، فالمعارضة باتت مزروعة في فكره ويعتبرها خياره الاول، اما مدى نسبتها وكيفية ممارستها فتحكمه الظروف والتطورات. وعلى الرغم من كل ما سيحصل في السياسة، فلن يمكن لاحد ان يصدق ان بري ورئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ مثلاً لن يكونا في فكر معارضة العهد الجديد لاسباب شخصية اولاً وسياسية ثانياً، وحتى لو قدر ان يشاركا في الحكومة فلن يغيّر ذلك اي شيء الا في السياسة، وعندما تسنح اي فرصة لممارسة المعارضة فسيكونان اول من يتلقفها برحابة صدر وسرعة في التنفيذ.

شخص آخر وضع نفسه قسراً في مواجهة العهد الجديد، وهو النائب ​نجيب ميقاتي​ الذي صدرت عنه مواقف لم تصدر في عزّ الخلاف مع القوى السياسية الاخرى، وهو رفع سقف الانتقاد لعون الى حد خرق فيه السقف العادي الموضوع. "المستقلون" كذلك غير معنيين بالموالاة، ولكن حضورهم سيكون اقل رهجة لان عودتهم الى الحياة السياسية العامة (حكومة ومجلس نيابي) اصبح موضع شك وفي حال نجح بعضهم في ذلك فسيكون ضمن نسبة قليلة.

لا مفاجآت على صعيد وصول العماد عون الى بعبدا، ولا مفاجآت على صعيد وصول الحريري الى السراي، ولكن المفاجأة ستكون في المدة التي سيستغرقها تشكيل الحكومة وفي الاسماء التي ستطرح من قبل الجهات التي ستشارك فيها، فلندع الامور تأخذ وقتها ولنترك لعبة الاسماء تحصل في موعدها.