اتّسمت العلاقات - السعودية الأميركية بالتميُّز خلال الأعوام الستين الماضية، لكنها بدأت بالتراجع على أثر تغيُّر الظروف الإقليمية والدولية، لاسيما بعد أن أصبحت الجمهورية الإسلامية في إيران رقماً يصعب تجاوزه في المنطقة، وعودة روسيا إلى الساحة الدولية، والتصدي للأحادية الأميركية، ودخول الصين على خط الأزمات الدولية، بالتنسيق مع روسيا ودول الممانعة وعلى رأسها إيران، ودخولها إلى النظام المالي العالمي بفرض اليوان في التعامل المالي كالدولار الأميركي، وبعد العديد من الأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

أما الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع فهي متعددة، لعل أهمها:

1- الخلفية التي انطلقت منها السعودية في الفترة الأخيرة لتحديد مصالحها المبنية على الأحقاد، والتي لم تعد ترتكز على أسس مقبولة يمكن مناقشتها والتعديل في بعضها فيها لتقريب وجهات النظر فيما يتعلق بمصالح كلتا الدولتين، إنما ارتكزت على الفتنة المذهبية بين السُّنة والشيعة، ظناً منها أنها تستطيع من خلال هذا التجييش المذهبي ضد الشيعة تحقيق مآربها السياسية، وإضعاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ترفع راية تحرير فلسطين وإزالة "إسرائيل".

2- النظرة الأميركية لمصالحها ومعيارها "لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة"، وعلى هذا الأساس كان اتفاقها النووي مع إيران؛ العدو الرئيس لأميركا، وهو ما لم تستوعبه السعودية، وحاولت الاستفادة من فرنسا للتشويش على هذا الاتفاق.

3- تقدير أميركا أن المشكلة السياسية في المنطقة ليست من إيران، بل من الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية؛ البيئة الحاضنة للفكر التكفيري وتصديره إلى الخارج.

4- الرغبة السعودية في قيادة العالم الإسلامي، ومنافسة تركيا وقطر لها، الأمر الذي أدى إلى تصارع هذه الدول الحليفة في سورية، ما أضعف معارضاتها وأزعج الأميركي.

5- تورُّط السعودية كذلك في حرب اليمن، وعدم الاستماع إلى نصيحة أميركا بوقفها، وقيامها مؤخراً بالمجزرة الكبيرة في مجلس العزاء، الأمر الذي أحرج الغرب، ما دفع الأمريكي والبريطاني للضغط على السعودية من أجل وقف إطلاق النار مدة 72 ساعة، تمهيداً للدخول في تسوية سياسية.

6- لم تقف السعودية في مصر على رأي أميركا بإعطاء فرصة لـ"الإخوان المسلمين"، لأنهم - حسب رأيها - يمثّلون "الإسلام المعتدل" في المنطقة، إنما دعمت السيسي في مواجهة "الإخوان".

7- التراجع الكبير في الاقتصاد السعودي، حيث بلغ العجز في موزانتها للعام 2015 حدود 100 مليار دولار، وذلك بسبب الحروب وانخفاض أسعار النفط، نتيجة الكيدية السياسية، والتي تدفع ثمنها اليوم، لأن نسبة 95% من إيراداتها تقوم على المبيعات النفطية.

هذه الامور مجتمعة زادت من أزمة الثقة بينهما، فقد أشار كريستوفر بريبل؛ نائب الرئيس في "معهد كاتو للدراسات الدفاعية والسياسة الخارجية"، إلى أن التوترات الأخيرة في علاقات البلدين ناجمة عن الخلافات الحادة بشأن تعامُل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الشرق الأوسط، بما في ذلك مع تنظيم "داعش" في كل من العراق وسورية، ومواقفها حيال "الانتفاضات الشعبية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط"، وصولاً إلى محاولتها رأب الصدع مع طهران؛ خصم الرياض اللدود.

لقد جاء قانون جاستا "JASTA" الأميركي في هذا السياق، وترجمته إلى العربية تعني «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»، وهو يهدف إلى مقاضاة الرياض وطلب التعويضات من الحكومة السعودية لضحايا 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، وإن لم يسمّها، لأنه وطبقاً لهذا القانون فإن بإمكان المواطنين الأميركيين مقاضاة أي دولة تُتّهم بالضلوع في عمليات إرهابية نتج عنها ضرر عليهم، بما فيها قضية عائلات الضحايا والناجين من أحداث 11 أيلول.

قد يكون قانون جاستا هو المسمار الذي سيُدقّ في نعش السعودية، التي فشلت في الكثير من أدائها، ولم تتعاطَ بمرونة مع مواقف أميركا، ولم تترك مجالاً للصلح مع دول الجوار التي مدّت يدها لها للتعاون معها في المجالات كافة.