ينتظر الجميع نتائج معركة الموصل وحلب كمحطتين مفصليتين في الصراع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات، وما يترتب على هاتين المعركتين من نتائج زلزالية على المنطقة والعالم وفق هوية المنتصر.

إن معركة الموصل وانتصار الجيش العراقي و"الحشد الشعبي"، أي انتصار الدولة المركزية وانهزام المشروع الأميركي - الصهيوني، بالإضافة إلى إلغاء المخطط التركي لاحتلال الموصل، بوصفها أرضاً تركية، عبر أدواتهم التكفيرية ورعاته الخليجيين، مما سيغيّر الاتجاه العام والمحوري للمشروع الأميركي، لما يمثله العراق من موقع جيوسياسي وقوة اقتصادية وبشرية، مما يعطيه القدرة على إحداث التوازن مع دول الخليج، خصوصاً السعودية، وعامل إرباك وقلق حقيقي لتركيا ومشروعها الإمبراطوري للأسباب الآتية:

1- يشترك العراق بحدود برّية مع السعودية وتركيا، وجزئياً مع الكويت، وبالمعطى الأمني مع قطر والبحرين والإمارات، ونتيجة الثقل البشري والعددي للعراق وإمكانياته العسكرية، يستطيع أن يمثّل عامل ردع لهذه الدول التي تجاوزت حدودها الجغرافية والسياسية، لتفرض المخطط الأميركي على المنطقة، فتدخّلت في سورية واليمن والعراق، ومازالت مستندة إلى التعهدات الأميركية بضمان أمنها، وكذلك لعدم وجود تهديد عسكري مباشر لأمنها واقتصادها، وهذا ما سيلغيه العراق في المستقبل بعد هزيمة "داعش".

2- انتصار العراق سيساعد في مساندة سورية في حربها ضد الإرهاب، والإطباق على الرقة من الجبهتين السورية والعراقية، ما يفشل المخطط الأميركي بتجميع "داعش" و"النصرة" وكل الجماعات المسلحة برعاية تركية لفصل الشمال السورية وإقامة محمية أميركية - "إسرائيلية" تسنزف العراق وسورية.

3- انتصار العراق سيجعل السعودية بين فكي كماشة اليمن والعراق، مما يقيّد حرية المناورة لديها، ويعيدها إلى الداخل، أو يحدّ من تدخّلها الخارجي.

4- تحرير الموصل سيساهم في إعادة العقلانية والرشد إلى إقليم كردستان بقيادة البرازاني الذي أصابه الغرور والخطأ في الحسابات، مدعوماً بالتشجيع الأميركي والمساعدة "الإسرائيلية" ليتمرّد على الدولة المركزية والمضيّ في ابتزازها سياسياً واقتصادياً، وسينهي حلمه بإعلان الدولة الكردية المستقلة غير القابلة للحياة، مما يضطره للعودة إلى حضن الوطن العراقي الموحَّد، لحفظ مستقبل الأكراد الذين خذلهم الغرب وأميركا في بدايات القرن العشرين، ومع ذلك يصدّقهم الأكراد مرة ثانية، وسيبيعونهم عندما تتضرر مصالحهم، وسيتخلون عنهم.

رُبّ ضارة نافعة، ورُبّ نقمة تتحول إلى نعمة، فمع كل المآسي التي أحدثتها "داعش" في العراق، والتي استكملت ما بدأه الاحتلال الأميركي، لكنها استنهضت الشعب العراقي وأيقظته بعد سنين عجاف دمّرت العراق وقتلت أهله منذ الحرب على إيران، ثم غزو الكويت، وبعده الاحتلال الأميركي، لينتفض العراقيون ويوحّدوا كلمتهم، وليقتنع البعض أن مستقبله ليس في تقسيم العراق أو الاستعانة بالسعار المذهبي التكفيري، فالعراق لم يعرف الصراع المذهبي والطائفي بين مكوّناته وأطيافه.

معركة الموصل بداية النهاية لكابوس "داعش" وتقسيم العراق، والذي سيتبعه تحرير حلب في مرحلة ليست بعيدة، وعندها يعلن محور المقاومة أنه استطاع وقف الزحف الأميركي - التكفيري، لينطلق للمرحلة الثالثة، وهي الهجوم على كل ساحات الصراع في الإقليم، وبعدها يتفرّغ لتوجيه البوصلة إلى القضية المركزية فلسطين، التي تخلّى عنها معظم أهلها، وكذلك أكثر العرب، ليعلن بدء حربه الشاملة ضد الكيان "الإسرائيلي".

قد يظن البعض أن ما نقوله حلم يستحيل تحقيقه، لكن الوقائع منذ العام 1982؛ تاريخ الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان، أثبتت أن ما كان مستحيلاً في نظر الأكثرية صار ممكناً في العام 2000، وفي العام 2006، وهو قاب قوسين أو أدنى في العام 2017.

الوحدة والصبر والثقة بالله سبحانه وتعالى، وبالنفس، وبناء المجتمع المقاوم لتحصين المقاومة ومجاهديها، هم السبيل الوحيد للصمود ثم للنصر.. وما النصر إلا صبر ساعة.