لم تخفِ إيران نشوة نصرها في صراع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط حين صرح وزير الاستخبارات السابق حيدر مصلحي بأن بلاده تسيطر على أربع عواصم عربية وبأن اليد الطولى هي اليد الإيرانية.

لكن هذه النشوة بدأت تشوبها ابتسامةٌ صفراء لتداخل عدة أمور لم تكن إيران ربما قد حسبت حساباً لها أو أن نتائجها فاقت توقعاتها، مما يعني أن قبضة نفوذها على تلك العواصم بدأ يتسرب إليها ضعف، مصدره قوى النفوذ الأخرى التي راحت تزاحم نفوذها. فمنذ أن دخل الروس بقوة في الحرب السورية في 30 أيلول من العام الماضي (بطلب من النظام السوري)، بدأت روسيا تتحكم بالمشهد السوري رويداً رويداً، حتى أصبح حل الأزمة السورية بيدها في ظل غياب كامل لدول الإتحاد الأوروبي، وبعد نجاح موسكو في الحد من النفوذ التركي عبر استخدامها ورقتي الأكراد المعارضين لأنقرة وورقة خطوط الطاقة الروسية العابرة للأراضي التركية (وما يصحبها من مكاسب مادية واستثمارية كبيرة)، للتفرد بذلك بالمشهد السوري. وما قرار الكرملين بجعل القواعد العسكرية الروسيّة في سوريا قواعد دائمة إلا لجعل سوريا في حالة وضع اليد الروسي ولتحجيم الدور الإيراني في سوريا ليصبح كشريك تملي عليه روسيا تحركاته في دمشق.

لم تقف التوجسات الإيرانية عند هذا الحد، فالمنافس الإقليمي التركي القوي دخل على خط النفوذ وبحزم في معركة الموصل، تلك المدينة ذات الأهمية الخاصة لدى الأتراك (ومدينة تلعفر التركمانية)، لأن المشهد في العراق يختلف عما هو عليه في سوريا من الناحية الإقليمية والدولية ولما لتركيا من أدوات تنفيذية لديها على أرض الواقع تتمتع بنفوذ كبير، فقوات البشمركة تعد حليفة لها، أضف إلى ذلك قوات الحشد الوطني التي دربتها ومعسكر بعشيقة الذي تتواجد فيه قوات عسكرية تركية، وحتى الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع أن تتجاهل تركيا في العراق كما فعلت في سوريا لإعتبارات جيوسياسية. ولهذا قد تكون الموصل الشرارة التي تحرق ورقة النفوذ الإيراني الكبيرة في العراق، وفي هذا الإطار جاء تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن دخول تركيا في معركة الموصل دون إذن الحكومة في بغداد يصعد الأزمة، وزد على ذلك اصرار رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي على عدم مشاركة تركيا في معركة الموصل، كل ذلك لم يجدِ نفعاً لأنها دخلت فعلياً في المعركة ونجحت حتى الآن في إبعاد الحشد الشعبي عن التوجه للمدينة، وإذا استمرت بفرض رؤيتها في الموصل فهذا يعني أن نفوذ طهران سيبقى في وسط وجنوب العراق.

وبالاتجاه جنوبا حيث عاصمة اليمن، فإن المد الإيراني يصطدم بصخرة التحالف العربي بقيادة السعودية، ولأن حلفاء إيران من الحوثيين باتوا شبه معزولين في مناطقهم بعد أن أطبقت البحرية السعودية والمصرية والإماراتية الحصار عليهم إضافةً إلى الغطاء الجوي (مع الموافقة الأميركية) ومع النجاح الحاصل في التقدم على الأرض من قبل الحكومة الشرعية وما يسمى المقاومة اليمنية، قد قلص من مساحات نفوذ الحوثيين، وبدوره نقص نفوذ طهران الذي قد يتلاشى إذا استمر هذا التقدم وأيضا إذا لم تدوّل القضية اليمينة.

دخول المنافس التركي أربك حسابات طهران المتخوفة أصلا من دورها المتنامي في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج واليمن، فابتداءً من البيان الختامي لمؤتمر التعاون الإسلامي الذي عقد في إسطنبول والذي حمّل صراحة إيران مسؤولية ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط نتيجة سياساتها الخاطئة (كما جاء في البيان) مروراً بالتقارب بين تركيا و المملكة السعودية، وصولاً إلى التشدد التركي في معركة الموصل ووضع روسيا يدها على دمشق، قد تخرج السلة الإيرانية شبه خالية فلا هي طالت بلح اليمن ولا عنب الشام.

* كاتب ومحلل سياسي تركي