لا يشبه "التيار الوطني الحر" اليوم ما كان عليه قبل 31 من شهر تشرين الأول الماضي، تاريخ انتخاب زعيمه العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. فالتفكك والانشقاقات التي كانت قد بدأت تهزّ كيان التيار ككل مهدّدة اياه، لم تعد ذات أهمية بعدما استنهض وصول الجنرال الى سدّة الرئاسة كل القواعد الشعبية العونية والتي انقسمت في الفترة الماضية بين مؤيدة لرئيس التيار الوزير ​جبران باسيل​ ومعارضة له، لتعود اليوم موحّدة أكثر من أي وقت مضى خلف القيادة الحاليّة لاعتبارها أن مشروع هذه القيادة وإن سلك بكثير من الأحيان طرقاً لم تكن مستحبّة لديهم، الا أنّه نجح بتحقيق الهدف الأساسي الذي عمل من أجله مئات العونيين على مدى 26 عاما، الا وهو إعادة العماد الى ​قصر بعبدا​ منتصرا.

كثر ممن يسمّون أنفسهم "إصلاحيو التيار"، وهم من المناضلين القدامى الذين تم إبعادهم في الآونة الأخيرة جراء اعتراضهم على أداء باسيل الحزبي، شاركوا بالتجمع الشعبي الذي دعا اليه رئيس البلاد يوم الأحد الماضي، وكثر غيرهم ارتأوا المشاهدة من بعيد بعدما خنقت أصواتهم الغصّة، فهم لم يتخيّلوا يوما ان يتحقّق الحلم الذي ناضلوا من أجله عشرات السنوات وأن لا يكونوا جزءا منه. سواء أقرّوا بذلك أو لم يفعلوا، فقد خسروا شوطًا كبيرا من معركتهم "الإصلاحيّة"، فمشروع باسيل عاد أقوى من أيّ وقت مضى مع التفاف الجماهير العونية، المنتشية بالنصر، حوله. "فمن ذلك الذي سيسأل اليوم عن تجاوزات للنظام الحزبي الداخلي، أو عن حصر المواقع الأساسية بالتيار بعائلة العماد عون، بعدما بات الهدف الكبير إصلاح الدولة ومحاربة الفساد والنهوض بالبلد، خصوصًا وأن ذلك بات متاحا أكثر من أي وقت مضى مع تبوؤ سدة الرئاسة الأولى". هكذا تختصر مصادر في "التيار الوطني الحر" المشهد العام، مؤكّدة ان "موقع كل فرد في التيّار محفوظ، والباب مفتوح للجميع، فنحن إنْ كنّا لم نفكّر يومًا باقصاء أخصامنا السياسيين، هل نفكر باقصاء أهل بيتنا؟"

ويبدو ان المشكلة الأساس داخل التيار ترتكز على "الخطوة الاولى" التي يرفض أي من الفريقين المتخاصمين القيام بها. ففيما يعتبر مناصرو باسيل أن "من أخطأ وخالف الأنظمة هو من يتوجب أن يقوم بالخطوة الأولى"، يتمسك معارضوه بأن "من قفز فوق تضحياتهم ونضالاتهم لتبوؤ المناصب ان كان الحزبية أو الوزارية وغيرها بعدما شرّع له قصر بعبدا أبوابه، هو من يتوجب عليه مدّ اليد وقرع أبواب زملائه السابقين لاستيعابهم في الانتصار الذي كانوا جزءا كبيرا منه".

ويرفض المعارضون الحديث عن انتصار لباسيل، ويفصلون بين ما يحصل داخل الحزب وما تحقق على الصعيد الوطني، ويؤكدون انّه "حتى ولو تم استنهاض الجماهير العونيّة بعد انتخاب العماد عون رئيسًا، الا أنّها لن تتأخر للعودة لمساءلة من يتجاوز الأنظمة ويمارس سلطته باستنسابية".

الا انّه وبغضّ النظر عمّا يعتقده المعارضون، وعن حقيقة انتصار باسيل وما اذا هو انتصار آني لن يتأخر بالزوال، فما يمكن حسمه ان الأرضية المؤاتية لـ"المعارضة العونية" لم تعد موجودة وأن مهمّتها "الاصلاحية" باتت أصعب بكثير ان لم نقل مستحيلة خلال السنوات الـ6 المقبلة.