وإنتهت الإنتخابات الرئاسية في لبنان بعد 46 جلسة. ودع اللبنانيون فخامة الفراغ ليستقبلوا الرئيس الجنرال ميشال عون الذي وصل إلى سدة الرئاسة بوعد صادق وتحالفات جمعت أضداد السياسة في لبنان، وقاعدة شعبية لا يستهان بها. وبعد حين إنتصر صبر الجنرال الإستراتيجي وأصبح الجنرال رئيساً.

يتغير مكان الأرقام في معادلة الجنرال لكنها بقيت ذاتها، فما بين 13 تشرين و31 تشرين تاريخ يُحكى للجنرال، ومعه كل المؤمنين بأن لبنان ما زال فيه المكان المسيحي الأول محفوظاً وسط إقليم مليء بالصراعات التي لم ينل منها المسيحيون سوى الإضطهاد بسبب الحروب الأهلية والصراعات بالأمس وإستهداف المسيحيين المباشر اليوم من خلال الجماعات التكفيرية التي ترفض وجود حتى المسلمين المخالفين لعقيدتهم التكفيرية التي يسمونها دينًا. أضف إلى ذلك إستهداف بعض المسيحيين لأنفسهم حين ينظرون إلى وجودهم نظرة غير مستقرة في هذه البلاد بحيث يهاجر كثيرون منهم مع أول نزاع على الرغم من أن تجربة البعض الآخر كانت نموذجًا يُحتذى حين رفع المسيحي بندقيته في وادي النصارى وحمص وحين قاتل في العراق في صفوف الحشد الشعبي، الا أن هذه الصورة لم تلغ خيار ترك الأوطان بغية الأمان.

أحلام المسيحيين تلاشت في كثير من بلاد الشرق وحتى وجودهم أصبح مهدداً بسبب النزاعات والإنقسامات والهجرات المستمرة إلى الخارج.

سنوات مضت وذلك الجنرال الذي خرج من القصر في 13 تشرين وأخذ في حقيبة سفره ما تبقى من أحلام ليعود ويحققها على أرض الوطن في أرض الإنتماء والجذور، وبلغة الأرقام أيضاً 26 عاماً والجنرال وأنصاره الذين خرجوا من ملجأ القصر ينتظرون العودة إلى كرسيه الأولى. سنتان ونصف ومسيحيو لبنان يعيشون هاجس التمثيل المسيحي فالمقعد الذي يحفظ لهم تمثيلهم في مهب الريح، يتطلعون إلى العراق، إلى الموصل وسهل نينوى التي طرد داعش منها المسيحيين وهجر الآلاف من العائلات المسيحية ولم يبقِ صليباً ولا إنجيلاً إلا دنسه، هذا عدا تفجير الكنائس المتعمد... يتطلعون إلى كنائس حلب المستهدفة والمطرانين بولس يازجي ويوحنا إبرهيم المخطوفين حتى إشعار آخر... ويتطلعون إلى كرسيهم الفارغ حتى إشعار الرئيس.

وسط هذا الواقع القاتم، ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، فكيف إنعكس ذلك نفسياً ووجدانياً على محبي عون؟

يكفي أن تزور المنتظرين في كنيسة حارة حريك بلدة الجنرال الأصلية في ذلك اليوم الإنتخابي الذي إختصر سنين طوال، صغار وكبار ينتظرون، يلفتك أكثر كبار السن الذين يكتنزون أمل الشباب بأن عون رجع حقاً. في وجوههم تجاعيد رسمتها قضايا وشؤون مسيحية على مدى سنين وقلق في عالم مظلم، تكاد لا تصدق أن هؤلاء ما زالوا يعولون على سياسيين أو أن العمر "محرز بعد"، يفاجئونك بقدر تعويلهم على الجنرال، وأنه القادم من الأمس البعيد ليحقق أحلامنا التي حلمنا بها ذات مرة وليكون سندنا اليوم في الأيام المليئة بالضباب.

وعليه نستطيع القول أن الجنرال لم يفز بالرئاسة اللبنانية فقط بل فاز بتحقيق الأمان الداخلي لمسيحيي لبنان ومعهم لجزء كبير من مسيحي المنطقة الذين ربما جددوا بالجنرال نفس أحلامهم المفقودة أحلام مسيحيي الشرق في أرضهم.

* إعلامية لبنانية