منذ وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، عُلّقت الكثير من الآمال عليه لفتح صفحة جديدة في مسيرة الوطن، صفحة عزّزت مواقف "الجنرال" السابقة واللاحقة لانتخابه من "الرهان" عليها، خصوصًا لجهة شعار "التغيير والإصلاح" الذي كان، ولإيمانه به، أطلقه عنوانًا لتكتّله النيابي.

وإذا كان الرئيس عون حرص على النأي بالعهد عن "التناتش" الحاصل على الحقائب الوزارية، باعتبار أنّ لقب "حكومة العهد الأولى" لن يُعطى إلا لتلك التي ستعقب الانتخابات النيابية، فإنّ الأكيد أنّ "الامتحان الأول"، وربما الأصعب الذي سيواجهه، سابقٌ لهذا الاستحقاق، وعنوانه بكلّ بساطة ​قانون الانتخاب​...

مكانك راوح؟

إلى قصر بعبدا، وبعد نضالٍ طويلٍ، وصل ميشال عون، أو "الرئيس القوي"، بشهادة القاصي والداني. وبالتوازي، وصل إلى السراي الحكومي ​سعد الحريري​، أو "رئيس الحكومة القوي". ورغم التباينات التي اتسمت بها علاقة الرجلين تاريخيًا، اعتقد كثيرون أنّ "قوتهما" داخل طائفتيهما ستجعل منهما ثنائياً قوياً، وقادرًا على فرض قواعد لعبة جديدة.

وإذا كان من الظلم الحكم عليهما من خلال تقييم مسار تأليف الحكومة، الذي لم يتخطّ بعد الأسبوعين، فإنّ المؤشّرات التي ظهرت خلال هذه المدّة لم توحِ بأيّ تغييرٍ في مقاربة الطبقة السياسية، باعتبار أنّ "تناتش" الحصص الوزارية بين هذا الفريق وذاك لا يزال هو هو ولم يتغيّر، تمامًا كما "بدعة" الفصل بين حقيبةٍ سيادية هنا وأساسية هناك وخدماتية بين الاثنين، وصولاً لحدّ اعتبار بعض الحقائب هامشية، وكأنّها جوائز ترضية تبحث عمّن يتواضع ويقبل بها، وذلك على الرغم من ابتكار بعض المَخارِج تاريخيًا للهروب من هذه العقدة كالحديث عن مداورةٍ تارة، وعن الأحجام النيابية تارةً أخرى.

بطبيعة الحال، لا يتحمّل "العهد الجديد" ممثّلاً بعون والحريري مسؤولية كلّ هذه الظواهر غير الصحية، والتي لا يمكن توصيفها بأنّها "انتكاسة" للعهد، طالما أنّه لن يبدأ بشكلٍ عملي إلا بعد تشكيل الحكومة، علمًا أنّ الرئيس عون يحرص على إبلاغ كلّ من يعنيه الأمر بأنّ الحكومة العتيدة هي "حكومة انتخابات" وليست "حكومة العهد الأولى"، في إشارةٍ واضحة لا لُبس فيها إلى أنّها قد لا تمثل تطلعاته الحقيقية، المؤجّلة لما بعد الاستحقاق الديمقراطي الذي طال انتظاره، كما إلى أنّ المطلوب منها قد يقتصر على تنظيم الانتخابات بالتي هي أحسن ليبدأ العمل الجدّي والفعلي.

الامتحان الحقيقي!

انطلاقاً ممّا سبق، لا يُعتبر تشكيل الحكومة "الامتحان الأول" للعهد، بكلّ ما للكلمة من معنى، حتى لو صحّت التقديرات التي رجّحت ولادة قريبة، وربما "قياسية"، لها، نسبة للتجارب السابقة، وآخرها مع حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة ​تمام سلام​، والتي استغرق تأليفها عشرة أشهر كاملة.

وحدها مقاربة الانتخابات النيابية المؤجَّلة بفعل التمديد القسري للمجلس النيابي هي التي من شأنها الحكم على العهد، إيجاباً أو سلباً، ليس فقط لناحية تنظيم الاستحقاق، بل قبل ذلك لجهة القانون الذي ستحصل على أساسه، خصوصًا في ضوء السيناريوهات الكثيرة التي تُنسَج في الكواليس، والتي لا يخفي بعضها رغبة دفينة لدى الكثير من القوى بالإبقاء على القانون الحالي، بذريعة "ضيق الوقت".

وإذا كان كلّ المحيطين بالرئيس عون يجزمون بأنّ التمديد للمجلس النيابي لن يكون مطروحًا في أيّ شكلٍ من الأشكال وتحت أيّ ظرفٍ من الظروف في عهده، وهو الذي حارب التمديدين السابقين بكلّ ما أوتي من قوة، ودفع الثمن عبر "خلافه" مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري على خلفية هذا الموضوع بالدرجة الأولى، فإنّ الأكيد أنّ قانون الانتخاب لطالما شكّل "أولوية الأولويات" بالنسبة لـ"الجنرال" منذ ما قبل وصوله إلى قصر بعبدا، وسيبقى كذلك في المرحلة المقبلة كما يجزم عارفوه.

ولكنّ هذه النوايا الصافية دونها عقباتٌ كثيرة، وعلى رأسها قصر المهلة الزمنية الممنوحة أمامه، طالما أنّ رفض التمديد هو من الثوابت التي لن يحيد عنها، بل إنّ "التمديد التقني" بحدّ ذاته ليس محبَّذًا بشدّة في قاموسه، علمًا أنّ هناك علامات استفهامٍ كثيرة تُطرَح عن مدى التعاون الذي سيبديه من تقاعس من النواب خلال أربع بل ثماني سنوات عن البحث بقانونٍ عصري وحضاري عن القيام بذلك اليوم، خصوصًا إذا كان الثمن أن يصبح "الكرسيّ" الذي يتنعّم به مهدَّداً.

وإذا كان تباين حلفاء الرئيس عون في مقاربة قانون الانتخاب من شأنه أن يضعه في موقفٍ محرجٍ، باعتبار أنّ ما يتفق عليه مع حليفٍ من هنا قد يعارضه حليفٌ آخر على المقلب المعاكس، فإنّ المطبّ الأساسي الذي يفترض تجاوزه يبقى في "الفيتو" الذي لطالما وضعه "تيار المستقبل" على النسبية، حتى كمبدأ، وإن سرّب البعض في الأيام الأخيرة معلومات عن "تجاوب" يبديه الحريري إزاء عون، على هذا الصعيد.

هل يكسب الرهان؟!

بين محاربة الفساد، وتطبيق اتفاق الطائف كاملاً، وتطويره، تكثر العناوين المطروحة على العهد، ولكنّ الامتحان الحقيقي الأول الذي سيواجهه لن يكون سوى قانون الانتخاب، باعتباره المدماك الأساسي لكلّ شيء، وعلى أساس التعاطي معه، إما يُكرَم العهد برمّته، أو يُهان.

صحيحٌ أنّ يداً واحدة لا تصفّق، وبالتالي فإنّ الوصول لنتيجة في هذا الموضوع يتطلب إرادة جدية وصادقة من جميع الأفرقاء، لا من رئيس الجمهورية فقط، إلا أنّ الرهان على "فخامة العماد" يبقى كبيراً، فهل يكسبه، وينجح حيث فشل الآخرون؟!