تزداد الريبة في صفوف "8 اذار" من تصرفات سياسية يُقدم عليها رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير ​جبران باسيل​ السياسية بعد التحالف مع حزب "القوات" وتوضع احياناً في خانة "الاستفزاز". يوسّع من مساحة تلك الريبة ما يصيغه "الحكيم" علناً في حسابات الربح، الى حد إظهار نفسه يومياً انه "راعي العهد". هو نجح في اقناع الرأي العام المسيحي انه صاحب الفضل في وصول العماد ميشال عون الى سدة رئاسة الجمهورية، لدرجة بات يتندر فيها سياسيون يدورون في فلك "حزب الله" بقولهم: "صحيح، لقد جمّد رئيس حزب القوات ​سمير جعجع​ البلد سنتين ونصف ورفض كل الخيارات ولم يتنازل عن فرض "الجنرال" رئيساً!" هؤلاء انفسهم يعودون بالذاكرة الى المحطات السياسية التي امتدت من عام 2006 ولا تزال، لاستحضار وقوف حزب الله ومعه كل قوى "8 اذار" الى جانب العونيين "في الضرّاء قبل السرّاء".

المسألة تتعدى اليوم اطار العتب الموجود ضمناً على رئيس الجمهورية ميشال عون، أو "انتقاد تصرفات الوزير جبران باسيل ازاء مكونات الحلف المذكور"، بل تصل الى حدود الأسئلة: ماذا عن أبعاد وخفايا التحالف المفتوح مع "القوات"؟ والى أين سيقود؟ هل سيكون على حساب الحلف مع حزب الله؟

لن يقدم الحزب لا اليوم ولا غداً على منع "العونيين" من عقد تحالفاتهم ورسم تصوراتهم السياسية، فهم قوة سياسية مستقلة وراشدة، لكن رسائل بالجملة بدأت تلوح في الأفق وتستكمل طريقها بوسائل عدة، تعبر ضمنياً عن امتعاض قوى "8 أذار" من "انحياز باسيل لصالح القوات على حساب تحالفات تياره التقليدية"، كما ظهر في التفاوض حول التشكيلة الحكومية. فُهمت الخطوة الاعتراضية على المردة بأنها معاندة لرأي الثنائي الشيعي مجتمعاً.

هناك رأيان داخل قوى "8 اذار"، الأول يدعو الى مصارحة العونيين ووقف تدهور العلاقات معهم، ووجوب وضع خارطة طريق مشتركة تقوم على اساس حفظ الحلف أو على الاقل الوفاء له، والثاني يرى أن "العونيين" قطعوا شوطاً كبيراً في الابتعاد عن "حزب الله" وسيترجمون ذلك في الانتخابات النيابية المقبلة.

اصحاب الرأي الأول لا زالوا يراهنون على خطوة يمكن ان يقدم عليها الرئيس عون شخصياً لاعادة تصويب البوصلة و منع التدهور الحاصل في العلاقات مع كل قوى "8 أذار"، وأصحاب الرأي الثاني يستندون الى معلومات تفيد "أن التيار والقوات والمستقبل يحضّرون لاجراء الانتخابات معاً على اساس قانون الستين الحالي، ما يعني تخلي العونيين عن ارتباطهم بالحزب ومحاربة حلفائه، ورفع مستوى التمثيل النيابي عند القوات بالمقابل الى حد التساوي مع التيار الوطني الحر، و الحفاظ على موقع تيار المستقبل في مجلس النواب". هؤلاء يفصّلون في معلوماتهم عن "سعي قواتي مع باسيل لالغاء كل القوى في الساحة المسيحية، ولا سيما تلك التي تشكّل حليفاً اساسياً لحزب الله تاريخياً كتيار المردة الذي يُعتبر وجوده خطاً أحمر عند كل قوى 8 اذار". الاخطر كما يقول اصحاب هذا الرأي "أن جعجع نجح في جذب الرأي العام المسيحي الى رؤيته، وهو سيسعى حكماً الى ترجمة مواقفه الاستراتيجية التي لم تتبدل لا حول دور المقاومة ولا سوريا ولا ايران او العلاقات الخارجية".

الكلام عن عهد جديد يبدأ فعلاً بعد الانتخابات النيابية توقفت عنده ملياً تلك القوى، واعتبرته محاولة لإقصاء قوى حية تصنّف في خانة الحليف للمقاومة، وهناك من ذهب منها الى القول: كيف نسمح للقوات ان تحقق كل هذا الفوز السياسي على حساب حلفائنا، رغم سقوط مشروعها السياسي بأبعاده الاقليمية والدولية؟ هؤلاء يشيرون الى سوريا والعراق والتحولات الاميركية والفرنسية وما هو اتٍ، مما يستوجب بحسب هؤلاء ضمان نتائج هذه المتغيرات في مصلحة قوى تمثلها خيارات "8 اذار" السياسية، او على الاقل منع الخط السياسي المناوئ من إلغاء قواها التي صمدت في أصعب الأيام.

المتشددون السياسيون في قوى "8 اذار" يستحضرون الكلام عن دماء الشهداء التي سالت في سوريا والحدود اللبنانية التي منعت الارهابيين من التمدد الى داخل المجتمع اللبناني وتهجير مكوناته، كما حصل في مناطق سورية او العراق مثلاً، ويذكّرون برهانات قوى داخلية كانت موجودة حتى الأمس القريب على المجموعات المتطرفة، تارة بعنوان: فليحكم الاخوان، وتارة بالانحياز الى جانب "الثورة السورية" قولاً و فعلاً. لذلك يقول هؤلاء المتشددون السياسيون انهم لن يسمحوا بالعودة الى اجواء 2011 ولا الى 2005. وبالتالي فهم أنفسهم يتحدثون اليوم في نقاشاتهم عن اجواء توحي وكأن المطلوب من باسيل أن يختار اما الحلف مع حزب الله او التحالف مع القوات، مع ما يعنيه ذلك من أبعاد استراتيجية، بعد فشل المواءمة عند التيار بين الحلفين.

الرسائل باتت اكثر وضوحاً، والتجربة في لبنان عوّدت الجميع ان لا احد يستطيع أن يلغي احدا، قد تحل الامور بجلسة واتفاق ولم شمل او مراجعة او وضع برنامج عمل يترجم نفسه في صياغة قانون انتخابي جديد يصرّ عليه افرقاء "8 اذار" قبل غيرهم ويقوم على اساس النسبية. ومن هنا حتى وضع التحالفات في نصابها الطبيعي، يبقى التأليف الحكومي هو الاختبار الاول: هل يفهم باسيل اشارة حزب الله التي توحي اولاً بوجوب اشراك "المردة" بحقيبة وازنة في الحكومة ورفع الفيتو عنه وتلبية متطلبات "الثنائي الشيعي" كي تبصر الحكومة النور؟ ثم عدم سلوك نهج إلغائي بحق حلفاء حزب الله بالتكافل والتضامن مع جعجع. حتى الان لا يوحي باسيل انه يتعامل إيجابياً مع تلك الاشارة، او ربما تحالفه مع القوات وحساباته الانتخابية حول البترون تحديداً يمنعه من ذلك، ما يعني ان الفرملة السياسية ستبقى هي سيدة المرحلة في بداية عهد يحتاج لإنطلاقة عملية لم تظهر بعد.

يشكل التفاهم مع عين التينة بداية المشوار. هنا تبدأ الترجمة الأولى للاشارة المذكورة. والاّ، قد يكون فعلاً كلام المتشددين السياسيين في "8 اذار" عن وجوب الاختيار بين حليفين هو الحقيقة الآتية، عندها ستتغير موازين سياسية داخلية، في زمن انتصار محور المقاومة في المنطقة، على قاعدة: ما لم يُسمح بحصوله لبنانياً في زمن الأزمة، لن يكون في زمن الانتصارات. هذا على ذمة ما تقوله شخصيات في قوى "​8 آذار​".