صحيح أن رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ لم ينجح بعد بمهمة التأليف التي تعيده الى السراي رئيساً للسلطة الثالثة، وصحيح أيضاً أن الإنتخابات النيابية لم تحصل بعد وكذلك فرعيّة طرابلس، كي يعيد رئيس تيار المستقبل إعتباره بعد خسارته الانتخابات البلدية في عاصمة الشمال، صحيح أن الحريري لم يحقّق بعد ما يطمح اليه سياسياً منذ عودته الأخيرة الى لبنان، لكن ذلك "لا يعني أبداً أن عودة "الشيخ سعد" لم تكن في محلها"، يقول المحيطون به، ويضيفون "ولا يعني أبداً أنه لم يحقق شيئاً بعد من الأمور التي يخطط لإنجازها".

في جردة مستقبلية سريعة لما حققه الحريري حتى اللحظة، يرى نائب مستقبلي مقرب من رئيس تياره، أن النجاح الأكبر والإستثنائي الذي أنجزته عودته، يتمثل بالمبادرة التي وضعت حداً للفراغ الرئاسي، وذلك بإنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. على صعيد بيته الداخلي، ضبط الحريري بحسب النائب المذكور الإيقاع السياسي لتياره، ومنذ أن حطت طائرته الخاصة مطار بيروت الدولي، بدأ ينحسر الحديث عن جناحين داخل التيار، جناح القيادة الحريرية، وجناح الكتلة النيابية التي تحكّم رئيسها فؤاد السنيورة طيلة فترة غياب الحريري بأكثرية قراراتها. وحتى لو أن التباعد في وجهات النظر لا يزال قائماً بين الرجلين، تغيّرت الصورة، وبات بيت الوسط بقيادة الحريري، المرجعيّة الوحيدة التي تقرر في الحكومة والحقائب والمؤتمر العام لا بل في أيّ شاردة وواردة.

داخل البيت المستقبلي أيضاً، أراحت عودة الحريري بحسب المصادر المتابعة وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ من الحرب التي كانت مفتوحة ضدّه من داخل فريقه السياسي، وإذا جاءت راحة المشنوق من هجومات وزير العدل المستقيل ​أشرف ريفي​ بفعل تحجيم الأخير من قبل الحريري وإبتعاده تنظيمياً عن تيار المستقبل، فراحة وزير الداخلية من الإنتقادات التي كان يتعرض لها ومصدرها فريق السنيورة وبعض نواب طرابلس وعكار، لم تأت إلا بفعل الغطاء السياسي الذي أمنته له عودة الحريري الى لبنان، وبفعل الدعم القيادي المطلق الذي يحظى به المشنوق، والدليل تمسك الحريري به وزيراً للداخلية في الحكومة المنوي تشكيلها.

ضبط الحريري لإيقاع فريقه السياسي، لم يقتصر فقط على وقف الحرب على المشنوق، وعلى وضع حد لممارسات السنيورة، بل إنسحب أيضاً على العلاقة مع حزب الله، لذلك يقول مصدر مستقبلي بارز، "لم تعد مهاجمة سلاح حزب الله المادة الإعلامية الوحيدة التي لا ينفك نواب التيار ووزراؤه عن إستعمالها في إطلالاتهم التلفزيونية ومقابلاتهم الصحفية، ولم تعد هذه المادة أيضاً بنداً ثابتاً من بنود بيان الإجتماع الأسبوعي ل​كتلة المستقبل​، كما كان يحصل يوم كان الحريري في الخارج والسنيورة على رأس طاولة الإجتماعات".

أضف الى كل ما تقدم، خفّت نقمة موظفي مؤسسات التيار الأزرق على رئيسهم، وتتحدث المعلومات عن حلحلة ماليّة تلوح في الأفق الإقليمي، ستدفع بالحريري الى إعطاء الموظفين حقوقهم ورواتبهم التي حرموا منها لأشهر في زمن الأزمات المالية والسياسية، ولو عبر دفعات مقسّطة.

أمام هذا المشهد، يبقى الحساب السياسي الذي يعدّه الحريري للواء ريفي كضريبة عن تمرده، مفتوحاً وغير قابل للتحقيق، ما دام قرار إجراء الإنتخابات النيابية مؤجلاً، كما يبقى أيضاً إنجاز قانون جديد للإنتخابات، من الملفات المزعجة على قلب الحريري.