لا تعتبر الحملة المركزة على وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ مستغربة في ظل مرحلة مختلفة تشهدها البلاد مع إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والسير في تأليف الحكومة، التي يبدو أن أسلوب تعاطي المسيحيين في توزيع حصصها أزعج البعض، إذ إن لبنان إعتاد منذ ما قبل وحتى ما بعد توقيع إتفاق الطائف على توزيع معيّن للحصص داخل الحكومة وحتى في تسمية رئيس الجمهورية، حيث كان الكلّ يعمل على أساس أن الطائفة الشيعية تختار الأقوى ليرأس المجلس النيابي كذلك الحال في رئاسة مجلس الوزراء حيث تختار الطائفة السنية ممثلها الأقوى، ووحدهم المسيحيون لا يمكنهم إختيار الأقوى شعبياً وتمثيلياً لرئاسة الجمهورية. ولكنّ رئيس الجمهورية ميشال عون استطاع وعبر تفاهمه مع "حزب الله" و"تيار المستقبل" و"​القوات اللبنانية​" أن يكسر هذه القاعدة ليبدأ العمل على قاعدة أن "المسيحيين شركاء في الحكم ولن يكونوا بعد اليوم مكسر عصا لا في الحكومة ولا في أي مكان آخر في الدولة".

رسائل للرئيس!

الحملة التي إستهدفت باسيل في الأيام الأيام والتي سعت الى إظهاره بمظهر قليل الوفاء وهو المقرر الأساسي في دوائر القصر الجمهوري ظاهرها موجه الى وزير الخارجية إنما عملياً هي موجهة الى الرئيس عون، وهي المرحلة الثانية من المواجهة أو "مرحلة الجهاد الأكبر" كما يصفها الكاتب والمحلل السياسي ​علي حمادة​، الذي يلفت الى أن "تباشيرها بدأت تظهر في المجلس النيابي في جلسة إنتخاب الرئيس". بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي ​خليل فليحان​ عبر "النشرة" أن "الحملة على باسيل كانت تحاول أن تصيب بشظاياها الرئيس عون وفي هذا الأمر عرقلة كبيرة للحكومة"، مشيراً الى أن "حركة أمل و"حزب الله" يقفان خلف الحملة، والهدف الأساسي منها هو ضمان حقيبة "المردة" في الحكومة".

لا لأسلوب حكم جديد

من يعرف الرئيس عون وراقب أداءه حتى حين كان رئيس تكتل يُدرك أنه لن يقبل أن يكون أيّ رئيس، ومن يراقب طريقة تعاطيه في تشكيل الحكومة يتأكد من ذلك. من هنا وبحسب حمادة. فإن "الثنائي الشيعي يسعى ومن خلال هذه الحملة الى إيصال رسائل الى العهد مفادها أن لا شيء جديداً سيكون في لبنان وأن القديم سيبقى على قدمه حتى في طريقة التعاطي في الحكم وتأليف الحكومات"، وربما المطلوب على حدّ قوله هو "التراجع خطوة الى الوراء في تحالف القوات والتيار بمعنى خفض سقف هذا التحالف لينعكس على توزيع الحقائب في الحكومة وتحجيم دخول "القوات" إليها". أما فليحان فلا يزال يعتبر أن "العقدة الأساس تبقى في الحقيبة التي يريد رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الحصول عليها"، مشيراً الى أن "من يعرف شخصية باسيل يُدرك أنه لن يتراجع وهو يقف أمام أمرين إما أن يحلّ المسألة أو يذهب الى المواجهة لحدّ أنه قد يسعى لتغيير صيغة الحكومة لتصبح حكومة "تكنوقراط" حتى لا يحصل فرنجية على ما يريد وهذا الأمر صعب جداً".

باسيل مستشار

وما بين الحملة على باسيل وتشكيل الحكومة تبقى للعماد عون الكلمة الأساس ويبقى لوزير الخارجية أن يلعب دور المستشار ولكن ليس المقرّر . هذا ما يؤكده علي حمادة، متسائلاً "هل هناك من تضخيم في نقل الصورة عن أن الوزير باسيل له الكلمة الفصل، وما الهدف من نقل هذه الصورة؟!" يتحدث حمادة عن الحكومة التي في أساس تشكيلها يكمن جوهر المشكلة مع الرئيس عون والوزير باسيل، قائلا "لم تعد المعركة في تأليف الحكومة معركة حقائب بل معركة إرادات"، لافتاً الى أن "العمل جار على قاعدة من ينكسر للآخر والخوف من أن يطول تأليف الحكومة في ظل هذه الذهنية حتى نهاية العام"، جازماً في نفس الوقت أن "حكومة أمر واقع لن تتشكّل أبداً". بدوره يشير فليحان الى أن "ما يحصل في هذه الآونة في تشكيل الحكومة لا يبشّر في إمكانية تشكيلها في وقت قريب"، مشدداً على أنه "ومن اليوم وحتى نهاية الأٍسبوع أي بعد عودة الوزير باسيل من الخارج إما تتأزّم الأمور أو لا".

لطالما كان العماد عون يؤكّد أن "الرئيس ليس لجهة معيّنة بل هو حكم بين الجميع"، وهذا ما بدأ بطبيقه في عهده، لكن يبدو أن جهة معيّنة ترفض إنتقاله من موقع مكوّن في تحالف سياسي الى موقع الحكم بين كل المكوّنات... وهنا تُطرح تساؤلات، فهل ينجح هؤلاء في ترويض الرئيس عون أم ينجح الأخير في إرساء ذهنية حكم جديدة رغم كل العقبات التي ستصيب سهامها الوزير باسيل عند كل إستحقاق؟!