حين حطّ الموفد السعودي الأمير خالد الفيصل في قصر بعبدا مهنئاً العماد ميشال عون بانتخابه رئيساً، وتلقّى وعدًا بأنّ المملكة العربية السعودية ستتصدّر جولة "فخامة الرئيس" الخارجيّة، قيل الكثير عن امتعاض "حزب الله" بل توجّسه من انعطافة سياسية يمكن أن يقدم عليها "الجنرال".

وحين بدأ التعثّر يطرأ على خط تأليف الحكومة الأولى في عهد العماد عون، وُجّهت أصابع الاتهام سريعًا لـ"حزب الله" بتوفير "الغطاء" للمعرقلين، استكمالاً لـ"أجندة تعطيلية" بدأت منذ الشغور الرئاسي، ولأنّه لا يريد عمليًا لعهد "الجنرال" أن ينجح بخلاف ما يعلن.

في الحالتين، والكثير من الحالات المشابهة، تكلّم الجميع، باستثناء "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، اللذين بقيا "الصامتين الأكبر"، مفسحين المجال لـ"الغيارى" للإفراط في التحليلات والتكهّنات. فهل بات التفاهم بينهما على المحكّ فعلاً؟ ومن يسعى عمليًا للإيقاع بينهما؟ ولماذا؟

مستفيدون كُثُر

في البداية، من الواضح أنّها ليست المرّة الأولى التي يجد فيها التفاهم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" عرضةً للتشكيك من هنا وهناك، وقد بُذِلت الكثير من المحاولات في هذا السياق منذ إبرامه في العام 2006 حتى اليوم، ووصلت لذروتها خلال سباق الانتخابات الرئاسية، على الرغم من أنّ كلّ الوقائع أثبتت يومها أنّ تحالف "الحزب" و"التيار" كان الوحيد الذي لم يعدّل موقفه حتى اليوم الأخير من الشغور الرئاسي، رغم كلّ "الترغيب" و"الترهيب" الذي مورس بحق الجانبين.

وإذا كانت نقاشات وتسريبات الأيام الأخيرة أظهرت إلى حدّ ما وجود ما يمكن تصنيفه بـ"البيئة الحاضنة" للتباين بين الجانبين، بشكلٍ لم يسبق له مثيل منذ عشر سنوات، فإنّ ما يعزّز هذه النظرية هو وجود لائحة طويلة من الساعين للإيقاع بين الحزب والتيار، تكاد تشمل جميع الأفرقاء من دون استثناء.

ولعلّ ما لا يختلف عليه اثنان أنّ رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ يتصدّر هذه اللائحة لدرجة يكاد هو يقرّ بذلك، خصوصًا أنّ مساعي الرجل لإبعاد حليفه "المستجدّ"، أي الرئيس ميشال عون، عن "حزب الله" تحصل في العلن، منذ اليوم الاول لتقاربه معه، حين أعلن بالفم الملآن أنّ الحزب لا يريده رئيسًا، وأنّ مرشحه الحقيقي كان الفراغ ليس إلا. وبالطريقة نفسها، لم يعد خافياً على أحد أنّ "الحكيم" يشعر اليوم بأنّ تحالفه مع التيّار "مكبَّلٌ" بفعل فيتوات الحزب، بعدما كان يمنّي النفس بأن يكون "راعي العهد" من دون منازع، فإذا به يُحرَم من حقيبةٍ سيادية وُعِد بها، بل يناضل البعض حتى لحرمانه من أخرى أساسية، وربما تقليص "حصّته" إلى حدودها الدنيا، بخلاف ما اتفق عليه مع عون.

وعلى الرغم من أنّ رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ يحرص على الحفاظ على "صفحة بيضاء" مع جميع الأفرقاء من دون استثناء في هذه المرحلة، إلا أنّه لا يمكن أن يكون "بريئاً" تمامًا من محاولات الإيقاع بين "التيّار" و"الحزب"، هو الذي راهن منذ لحظة تبنّيه ترشيح "الجنرال" إلى الرئاسة على تقريبه قدر الإمكان من معسكره السياسي، وهو ما يتطلب بطبيعة الحال إبعاده عن الحزب ومن خلفه المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه، علمًا أنّ هناك قناعة راسخة لدى المراقبين بأنّ "الشيخ سعد" يتطلع أيضًا إلى "التحالف الانتخابي" مع عون وجعجع في أكثر من منطقة.

ولا يغرّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تيار المردة ​سليمان فرنجية​ خارج سرب "المستفيدين" من التباعد بين "التيار" و"الحزب"، وهما اللذان يرى كثيرون أنّهما لم "يبلعا" بعد الخسارة التي منيا بها في الملف الرئاسي، خصوصًا بعدما وصلت "اللقمة" إلى فم "بيك زغرتا" وأزيلت منه، وهما يعتقدان أنّ ما يصفه الحزب بـ"دَين عون عليه" كبّدهما الكثير ولا يزال، بدليل ما يحصل اليوم من مناوشات على خلفية تأليف الحكومة، وكأنّ المطلوب معاقبتهما على موقفهما بشكلٍ أو بآخر.

التفاهم مهدَّد؟

وبعيدًا عن طول لائحة الساعين للإيقاع بين "الحزب" و"التيار"، فإنّ ما لا شكّ فيه أنّ الإشكاليات التي ظهرت في الأيام الماضية، أثارت بعض التوجّس لديهما، سواء لجهة "الهدايا المجانية والمنتفخة" التي يرى الحزب أنّ عون يقدّمها لجعجع، أو لجهة "العصيّ في الدواليب" التي يضعها بري، بتفويضٍ من "حزب الله"، في مسار تأليف الحكومة، وبينهما لجهة "صراع المحاور" الذي عاد ليضرب على وتر اللبنانيين الحسّاس.

ولكن، هل يكفي ذلك للقول أنّ التفاهم بين الجانبين بات فعلاً مهدّدًا، أو على الاقل وصل إلى مفترق طريق قد يكون صعباً؟

لا يبدو ذلك وارداً، فرغم كلّ ما قيل ويُقال، يصرّ المعنيّون على أنّ التفاهم بين حزب الله والتيار محصّن، وكلّ محاولات دقّ إسفين في طريقه خير دليل على ذلك، لا سيما أنّه اختُبِر على مدار عشر سنوات كاملة، وأثبت نجاحه وفعاليته، لدرجة أنّ "خصوم" الحزب والتيّار لم يخفوا يومًا "غيرتهم" من صلابة تحالفهما ومتانته، خصوصًا عندما كانوا يشعرون بالمرارة من خذلان حلفائهم لهم. أما ما يُحكى عن هواجس من هذا الفريق أو ذاك، فهي لم ولن تصل إلى حدّ تهديد العلاقة برمّتها، علمًا أنّها، إن صحّت، تُعالَج بينهما بشكلٍ مباشر، وليس بأيّ طريقة أخرى، فالجانبان لم يكونا يومًا بحاجة لوسطاء أو صناديق بريد لإيصال الرسائل فيما بينهما، والقنوات المشتركة بينهما مفتوحة، وعلى أعلى المستويات.

وأبعد من ذلك، يحرص المعنيّون على القول أنّ أزمة "حزب الله" ومن خلفه "8 آذار"، هي مع القوات لا مع التيار، وهنا يكمن بيت القصيد، بمعزل عن نوايا البعض غير البريئة، خصوصًا أنّ الحزب لا يتعاطى مع "القوات" حتى بوصفها "حليف الحليف"، كما هي علاقة بري وعون مثلاً، وذلك نظراً للعلاقة التاريخية المتوترة بين الجانبين، والتي لم ينجح "العونيون" في تغييرها، وهو يرفض انطلاقاً من ذلك توزيع "المكافآت" لها على حساب حلفائه، علمًا أنّه لا يرى أنّ لها فضلاً أساسياً أصلاً في وصول "الجنرال" إلى قصر بعبدا، خصوصًا بالمقارنة مع دوره، وحتى مع دور "تيار المستقبل".

عاجلاً أم آجلاً...

لا يتردّد أيّ قيادي في "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" في الردّ باستخفاف على أيّ سؤال يُطرح عليهم في ما يتعلق بـ"طلاقٍ محتمل" بينهما، سواء بالتراضي أو من دونه، على طريقة "ليخيط الممتعضون بغير هالمسلة".

ولكنّ أحداً لا يعرف متى يصبح هذا "الاستخفاف" جديًا إلى حدّ كبير، خصوصًا متى بدأ العدّ العكسي للاستحقاق الانتخابي، الذي سيكون لتحالفاته كلمة فاصلة من دون شكّ في رسم الخريطة السياسية المقبلة للبلاد...