منذ نشوء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، وبعد تدخل اكثر من دولة عربية واثر النكبات المتلاحقة التي كانت الغلبة فيها للاسرائيلي، اصطلح على تسمية الصراع العربي-الاسرائيلي بأنه "القضية العربية". صحيحان اساس هذه القضية هو المواجهة الفلسطينية-الاسرائيلية، ولكن على مرّ السنوات وبعد سلسلة اتفاقات ومفاوضات بين هؤلاء، امتد الصراع الى دول عربية اخرى كلبنان وسوريا بفعل السيطرة الاسرائيليّة لجزء من ارضهما اولاً، وبفعل التداعيات المأساوية التي تحمّلها لبنان بشكل خاص اثر الهجرة الفلسطينية.

ومنذ سنوات قصيرة لا تتعدى اصابع اليد، دخلت الى الميدان قضية اخرى كادت ان تهدد بتحولها الى السبب المباشر لحرب عالمية، وهي القضية السورية؛ الّتي استقطبت اهتمام الجميع، وتحولت الى "قضية عربية" اولاً قبل ان تصبح قضية عالمية، وأنسَت بشكل كبير ​القضية الفلسطينية​. من المنصف القول ان الفلسطينيين والعرب لم يقوموا على مر العقود بخطوات جادة من اجل وضع حد لهذه القضية بشكل نهائي، واكتفوا بحلول جزئية مرحلية فقط، ولكن لا شك ان الازمة السورية طغت على كل ما عداها من ازمات في المنطقة، وحتى خارج الشرق الاوسط.

اليوم بتنا امام قضيتين واحدة فلسطينية واخرى سورية، والقاسم المشترك بينهما هم العرب. ويسأل الكثيرون عما اذا كانت سوريا قد قضت نهائياً على مسألة فلسطين. انه سؤال مشروع ومنطقي، خصوصاً وان حل الازمة السورية، كما يروَّج له وكما تفرضه السبل المنطقية يشير الى انه سيرسي صورة مختلفة للشرق الاوسط، قد تطال بتغييراتها الموضوع الفلسطيني.

لم تأت ​روسيا​ الى المنطقة من اجل اللعب، وهي لن تفاوض حليفها الجديد (​الولايات المتحدة​ في عهد الرئيس المقبل دونالد ترامب) لابقاء الامور على حالها، فالتغيير آت لا محال ويبقى معرفة دلالاته واخذ صورة اولية عنه. قد تكون الايجابية في المقاربة لرؤية هذا الحل تنبع من ان موسكو نجحت في نسج خيوط قوية مع الافرقاء الرئيسيين في المنطقة، من ايران الى تركيا واسرائيل، وهي تعمل على مد جسور مع الدول الخليجية ايضاً سيزيد فرص نجاحها الواقع السياسي الجديد في المستقبل القريب.

من البديهي ان الحل المتوقع، في اي وقت اتى، لن يكون لمصلحة الفلسطينيين، ولكن السؤال سيبقى عن مدى نسبة مصلحة الاسرائيليين فيه، فهل ستكون مطلقة ام جزئية، وفي حال كانت جزئية ما هو مداها؟

بعد انتهاء الوضع في سوريا، ستشهد المنطقة "نفضة" قوية ستترجم ربما بتحالفات سياسية جديدة، وقد تتحول مسألة التقارب الخليجي-الاسرائيلي من مجرد كلام الى واقع ملموس، وهذا الامر من شأنه تغيير مفهوم التعاطي مع الصراع العربي-الاسرائيلي بشكل جذري، وقد يشكل اساساً لاطلاق عجلة المفاوضات بشكل جدّي. اللافت في الموضوع ان اسرائيل جاهزة لمثل هذه المفاوضات، وقد تكون الدول الخليجية على باب الاستعداد لذلك، ولكن ماذا عن الفلسطينيين والدول الاخرى؟ لن يكون بالطبع وقت الجهوزية قصيراً بل يكاد يكون اطول من المتوقع.

هذا السيناريو يبقى ناقصاً، لان التقارب لم يتم بعد، وقد لا يتم بشكل رسمي. وفي هذه الحالة سيعود الموضوع الى نقطة البداية، اي الى النقطة التي تم الانطلاق منها للحفاظ على ستاتيكو هذا الصراع ضمن حدود لا يتخطاها احد، وسنعود الى مشهد امساك قوى دولية بخيوط اللعبة في الشرق الاوسط، مع تغيير مهم قوامه ان روسيا والولايات المتحدة سيكونان على الجهة نفسها وهو امر مشجع، اقله لفترة اولى قبل ان يعود الصراع بينهما لسبب او لآخر.

لم تنجح "القضية العربية" في فرض نفسها لسنوات وسنوات، فكان مصيرها البقاء في دائرة المراوحة واطلاق العنان لاسرائيل للتصرف كيفما تشاء في الاراضي التي سيطرت عليها في فلسطين، فهل تكون الازمة السورية باباً لانقاذ القضية الفلسطينية من الروتين الذي قتلها؟ ام انها ستكون سبباً اضافياً في تجميد الاوضاع لوقت اطول من المتوقع؟