مع إنطلاقة مرحلة العهد الجديد، برئاسة العماد ميشال عون، دخلت مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة ​سعد الحريري​، مساراً صعباً ليس من السهولة في مكان الخروج منه، نظراً إلى أن الصراع لا يتوقف عند حقيبة من هنا وأخرى من هناك، بل هو يشمل نواحي عدّة، أبرزها تحديد أحجام القوى السياسية الفاعلة، بالإضافة إلى الهواجس التي يعبّر عنها بعض الأفرقاء، وسط الأزمات المشتعلة على المستوى الإقليمي.

من هذا المنطلق، يتوافق جميع المعنيين على التأكيد بأن الصراعات الداخلية ليست سهلة، بل هي معقدة جداً نظراً إلى أن هناك قوى تسعى بكل قوتها للحفاظ على نفوذها، في مقابل أفرقاء آخرين، خصوصاً على الساحة المسيحيّة، يريدون توسيع رقعة مشاركتهم في السلطة، على قاعدة تطبيق المناصفة التي تحدث عنها إتفاق الطائف فعلياً لا صورياً.

في هذا السياق، تشدد أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، على أن الإتفاقات التي قادت إلى إنتخاب العماد عون رئيساً تجعل من الصعوبة في مكان ولادة الحكومة خلال فترة قريبة، وتشير إلى أن هذا الأمر يظهر بشكل جليّ من خلال المفاوضات والمشاورات التي يجريها رئيس الحكومة المكلّف، وتؤكد بأن ليس هناك من جهة قادرة على لعب دور "الوسيط"، على صعيد تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء المتخاصمين، في حين أن الحريري غير قادر على تلبية جميع المطالب، بسبب تعارضها في الكثير من النواحي.

وفي حين تشير المصادر إلى أن تداعيات هذا الواقع لا تنحصر بالحكومة المقبلة أو في إنطلاقة العهد الجديد، خصوصاً بعد كلام وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال ​نهاد المشنوق​ عن قانون الإنتخاب، ترى هذه الأوساط أن من الضروري البحث عن مخرج بأسرع وقت ممكن، يعيد إلى الحياة السياسية الزخم الذي رافق إنتخاب العماد عون، ومن ثم الإستشارات النيابية الملزمة التي قادت إلى تكليف الحريري، وتشدد على أن هذا الأمر هو الوحيد الكفيل باعادة الأمل إلى المؤسسات الإقتصادية والمالية، بالإضافة إلى إنقاذ الإنتخابات النيابية المقبلة من التأجيل أو قانون الستين.

من وجهة نظر هذه الأوساط، الحلّ يكمن بالعودة إلى العام 2005، بالتحديد إلى حكومة نجيب ميقاتي الأولى، التي كانت مهمتها الأساس إجراء إنتخابات نيابية ضمن المهل الدستورية والقانونية، في ظل الإنقسام السياسي الذي رافق إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وتعتبر أن لا مخرج آخر، في الوقت الراهن قادر على إعادة كرة قانون الإنتخاب إلى المجلس النيابي من دون البقاء في دائرة الإنتظار، نظراً إلى أن هذا النوع من الحكومات سوف يبعد الصراع على الحقائب، في مختلف أنواعها، عن مفاوضات التشكيل.

وتجزم هذه الأوساط أن الواقع السياسي في لبنان لا يختلف عمّا كان عليه في ذلك الوقت، لا بل هي ترى أن الإنقسام اليوم أصعب من الذي كان قائماً قبل أكثر من 10 سنوات، نظراً إلى أن البعض يعتبر أن المعركة الحالية هي معركة وجود بشكل رئيسي، وتذكر بعودة الكلام عن حروب إلغاء وتصفية حسابات من أيام الحرب اللبنانية، وتضيف: "ما حصل قبل الإستحقاق الرئاسي ساهم في قلب المعادلة رأساً على عقب، وبالتالي الجميع يبحث عن حماية مصالحه".

في المقابل، لا توافق مصادر سياسية مطلعة على هذا الطرح، وتشير إلى أن العودة إلى حكومة تكنوقراط قد يعقد المشكلة بدل أن يساهم في حلها، حيث أن هذا النوع من الحكومات يتطلب غطاء سياسياً كبيراً، على الأقل من أجل تأمين الثقة في المجلس النيابي، وتلفت إلى أن غياب الإجماع حول هذا الخيار في المرحلة الراهنة، نظراً إلى عدم إيمان معظم الأفرقاء بأن الحكومة المقبلة ستكون مهمتها الإشراف على إجراء الإنتخابات النيابية فقط.

بالإضافة إلى ذلك، تشير هذه المصادر إلى أن حكومة التكنوقراط تعني العودة إلى الوراء، أي إعتذار الحريري عن المسؤولية وتكليف شخصية أخرى لتشكيل هذه الحكومة، حيث من غير الممكن أن يكون رئيسها زعيم تيار سياسي فاعل، وتؤكد أن هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، وتعرب عن مخاوفها من أن يكون الإستحقاق النيابي بات أمام خيارين لا ثالث لهما: التأجيل أو الستين.

في المحصلة، تطرح العديد من السيناريوهات، في الوقت الراهن، على خلفية العقد التي تواجه أزمة تشكيل الحكومة، لكن على ما يبدو الطريق ليس معبداً أمام أي منها، بانتظار الوصول إلى حلول في أقرب وقت.