ربما بات علينا ان نكون شهوداً على موتنا الانساني ونحن نرفع رايات النصر. حلب الشرقية او عصارة التغريبة السورية، تشهد اكبر عملية تدمير ممنهج، في سياق جريمة لم تزل ترتكب بحق الشعب السوري من دون توقف منذ ان انطلقت صرخات السوريين قبل نحو ست سنوات. تلك الاصوات التي لم تكن تملك غير الحناجر وارادة التغيير نحو فضاء الحرية وكرامة المواطن.

كان العقاب شديدا لتلك الصرخات: القتل والتدمير هو السبيل الوحيد الذي اعتمد من اجل منع التغيير، منع حق المواطنين في ان يكونوا مواطنين احرارا في خياراتهم السياسية والوطنية، ان يكونوا مشاركين فعليين في انتاج سلطاتهم الدستورية، بل ان يخرجوا من سجون الظلام والموت الى فضاء الحياة الكريمة.

ملايين السوريين عوقبوا بالتهجير، عوقبوا بالقتل، ودائما باسم الحرب على الارهاب. وها هي حلب اليوم تتعرض لما يشبه الابادة الجماعية التي تجعل المدينة مباحة لادوات القتل والتدمير كما لم يحصل من قبل. لقد تجاوز الاجرام في سورية كل ما ارتكبه الاعداء، اولئك الذين يُقتل مئات آلاف السوريين بذريعتهم. والانكى ان هؤلاء الاعداء الصهاينة ينعمون بالامن والسلام. فكلما دمرت مدينة سورية وتم تهجير سوري في اصقاع الارض، يتنفسون الصعداء، ويتلمسون المزيد من الامان الى عقود واجال بعيدة.

في مقتلة حلب وتغريبة اهلها اليوم، ما يشكل عاراً على كل من يدك أبنيتها ويقتل أهلها، ويشرد شيبها وشبابها. فالعالم الذي يسقط انسانيا على اعتاب حلب، بصمته المريب وعجزه الكاذب عن وقف الجريمة بحق هذه المدينة وسكانها، هو نفسه في سلوكه المتواطىء يكشف كم ان المشاركين في هذه المقتلة هم محل حماية ورعاية. هو العار لأن أي شبهة تهديد لاسرائيل تقوم طائرات جيش هذا الكيان بتوجيه ضربة له، لمّا تستشعر منه خطرا. هكذا تقول عشرات الغارات والضربات العسكرية التي طالت مراكز للجيش السوري او قوافل لحزب الله. سوى ذلك تطلق يد التدمير في كل سورية، وكل الفصائل المقاتلة مكشوفة للطائرات الاسرائيلية، من عرض القصير العسكري قبل عشرين يوما، الى الجحافل المتنقلة على طول الحدود مع سورية باسم طريق القدس من العراق او لبنان، ولا تحرك طائرات العدو ساكنا.

الرسالة من "اوضح الواضحات": اقتلوا ما شئتم من سوريين ودمروا بقدر ما تستطيعون من مدن وعليكم الامان". هكذا تذكرنا اسرائيل عندما تقوم بضربة عسكرية بين حين وآخر. هذه التي لم تسجل على نفسها انها تعرضت يوما لمن يخوض "الجهاد المقدس" ضد السوريين او التكفيريين: "طالما انكم تخوضون في دماء السوريين فلا احد سيتعامل مع ما ترتكبون باعتباره خطرا يهدد الامن الاسرائيلي او النفوذ الدولي باشكاله الروسية او الاميركية".

مجزرة حلب مستمرة لانها خوض في ارواح ودماء الأبرياء. لن يقف احد من هذا العالم الذي يدّعي الحرية، ليقول: اوقفوا هذه المجزرة. ربما قال البعض ذلك لكن احداً لن يكلف دولته ان تقوم بما يجعل القاتل متردداً او متحسباً من عقاب او رد فعل. يذكر الجميع وفي العام 2013 كيف ان واشنطن التي هددت بالتدخل اثر استخدام الاسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري ضد شعبه، كيف ان النظام استعجل الاستجابة لتسليم السلاح الكيماوي. بالتأكيد لم يكن التدخل الاميركي للذود عن آلاف القتلى المدنيين، بل لأن السلاح الكيماوي خط احمر في الحسابات الاميركية، ويتصل بمصالح دولية لا تعني الشعب السوري. المهم ان النظام السوري عندما لمس جدية التهديد الاميركي كان سريع الاستجابة وسلم ما يريدون ولا يريدون.

القتل مستمر في حلب وآلة الدمار التي توغل في هذه المدينة واهلها تجعل الانسان مجردا من كل القيم الانسانية، تحيله الى مخلوق لا غاية له الا السلطة والقتل. فالانتصار في حلب هو انتصار للاستبداد، لخيار قمع الشعوب ومصادرة حقها في الحياة الحرة والكريمة. ما انتصر في حلب هو الموت. هنيئاً لروسيا ما دمرت، وهنيئاً للمعظّم قاسم سليماني إنجازه التاريخي في رفع راية "يا لثارات الحسين" في بلاد الأمويين، والتهنئة والتبريكات لصاحب مقولة طريق "القدس تمر من حلب". أبشّر القدس: قاب قوسين أو أدنى من التحرير!