تصاعد في الآونة الأخيرة الخلاف بين تركيا والاتحاد الأوروبي على نحو غير مسبوق، وبلغ الأمر حد إقدام البرلمان الأوروبي على اتخاذ قرار بالتوصية لقيادة الاتحاد تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى عضويته، بينما لا ترى أنقرة موجبا يحول دون تحقيق ذلك، وأن الحيثيات التي استند إليها البرلمان الأوروبي والشروط التي يضعها مجرد ذرائع لعدم الموافقة على انضمام تركيا إليه.

لذلك هدد ارودغان بالرد على تحويل التوصية إلى قرار أوروبي رسمي باتخاذ خطوتين سيكون لهما في حال حصولهما تداعيات سلبية على مستقبل العلاقات التركية الأوروبية.

الخطوة الأولى: التهديد بإعادة فتح حدود تركيا مع دول الاتحاد أمام تدفق النازحين واللاجئين إلى الدول الأوروبية، وهو أمر يقلق حكومات هذه الدول، التي سارعت في وقت سابق إلى الرضوخ لطلبات الحكومة التركية وعقد اتفاق معها قبلت فيه بتقديم مساعدات مالية لأنقرة قدرت بأكثر من 3 مليارات يورو مقابل إقفال تركيا لحدودها.

أما الخطوة الثانية: فهي التلويح بخيار طلب انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي التي تقودها كل من روسيا والصين، فمثل هذه الخطوة في حال حصولها سوف تعني ربط تركيا لأول مرة في تاريخها بعلاقات اقتصادية واسعة مع دول تشكل أكبر منافس للاقتصاد الغربي وتعمل على تشكيل مركز ثقل اقتصادي عالمي مع دول البريكس في مقابل المركز الاقتصادي الأميركي الأوروبي،بما يقود إلى وضع نهاية لتحكم الأخير بالقرار الاقتصادي العالمي القائم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وتعكس هذه المواقف الأوروبية والتركية حجم الترابط في المصالح وحاجة كل طرف للأخر ولهذا تبدو هذه العلاقة تواجه تحديا حقيقياً، فأنقرة تعاني من أزمة اقتصادية انعكست بتراجع قيمة عملتها وتدني مستوى معيشة مواطنيها، ما اضطرها مؤخراً إلى الاعتذار من روسيا وتطبيع العلاقات معها وكذلك تعزيز علاقاتها مع إيران، واحتمال أن تقدم على طلب الانضمام لمنظمة شنغهاي احتمال وارد إذا قرر قادة الاتحاد الأوروبي إنهاء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد أو استمروا في المماطلة والتسويف في ذلك.

بالمقابل فان دول أوروبا لا تريد انضمام تركيا لأسباب غير تلك التي تتذرع بها، فدخول تركيا في الاتحاد سوف يؤدي إلى فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات والسلع التركية المنخفضة الكلفة بالقياس لمثيلاتها الأوروبية مما يشكل منافسة قوية لها في وقت تعاني أوروبا من أزمة ركود اقتصادي، والخوف من هذه المنافسة هو السبب وراء عدم شمول تركيا باتفاقية الاتحاد الجمركي.بين الدول الأوروبية.

إضافة إلى ذلك فإن كلا من اليونان وأرمينيا تقفان عقبة أمام قبول تركيا في الاتحاد، حيث تضع الأولى «فيتو» على عضوية تركيا لموقفها تحديداً من القضية القبرصية، أبرز ملفات الخلاف بين البلدين، في حين أن أرمينيا تشترط على تركيا الاعتراف بالمجازر التي ارتكبتها بحق الأرمن وتقديم الاعتذار للشعب الأرمني.

هذا الموقف الأوروبي يكشف أن الدول الأوروبية الأساسية صاحبة القرار وبالتحديد فرنسا وألمانيا تتعامل مع تركيا بانتهازية، فهي تريد الاستفادة منها أمنياً وسياسياً ولا تريد مكافأتها على هذا الدور بضمها إلى عضوية الاتحاد لأن ذلك لا يصب في المصلحة الاقتصادية لهذه الدول، التي فتحت الباب على مصراعيه أمام انضمام دول أوروبا الشرقية اثر تفكك الاتحاد السوفياتي، لأنها تشكل سوقاً استهلاكية واسعة لتصريف المنتجات والسلع الزراعية والصناعية الأوروبية،.ولم يجرٍ انتظار توافر الشروط لدى هذه الدول لقبول عضويتها.

ولهذا فان الحكومة التركية تتعامل مع دول الاتحاد بنفس الطريقة عبر ابتزازها بالتهديد بفتح الحدود أمام اللاجئين، والتلويح بالانضمام إلى منظمة شنغهاي والتقرب من روسيا وإيران، ما يؤشر إلى أن العلاقة بين الطرفين باتت محكومة بالابتزاز المتبادل الأمر الذي يجعلها في حالة من التوتر بين الفينة والأخرى.

لكن مستقبل هذه العلاقة يبدو أنه مرهون بالقرار النهائي الذي سيتخذه قادة دول الاتحاد فإذا قرروا وقف المفاوضات فان الأمور سوف تسوء وهناك احتمال كبير بان تقدم تركيا على طلب الانضمام إلى منظمة شنغهاي مع ما يترتب على ذلك من نتائج مستقبلية انطلاقاً من أن المصالح الاقتصادية للدول في النهاية هي التي تتحكم في مواقفها وسياساتها.