يُواجه اللبنانيّون يوميًا أثناء توجّههم إلى أعمالهم أو جامعاتهم أو مراكز تعليم أولادهم أو إلى أيّ مكان آخر، مُشكلة مزدوجة مرتبطة بتحرّكهم في سياراتهم، الأولى تتمثّل في زحمة السير التي تتفاقم في أوقات الذروة وفي فترات الأعياد وعند هطول الأمطار بكثافة، إلخ. والثانية تتمثّل في "قلّة أخلاق وذوق" بعض السائقين اللبنانيّين. وإذا كانت المُشكلة الأولى عصيّة عن الحلّ في المدى المنظور، بسبب تطلّبها خطّة نقل طويلة الأمد من جانب الدولة وبنى تحتيّة وطرقات جديدة وأخرى رديفة ووسائل نقل جماعية مُنظّمة وربما "مترو أنفاق"، فإنّ المُشكلة الثانية قابلة للحلّ سريعًا، ولا تتطلّب سوى بعض القرارات الحازمة من السُلطة والقوى الأمنيّة.

نعم، زحمة السير ليست ناجمة فقط من سوء حال الطرقات، وكثرة عدد السيارات، وسوء التنظيم، إنّما أيضًا من إنعدام ذوق الكثير من السائقين اللبنانيّين. فما أن تتوقّف حركة السير لبضع ثوان عند تقاطع معيّن أو مفترق محدّد، حتى يُسارع أكثر من سائق إلى الخروج عن الصف وإلى الإصطفاف في خطّ ثان وربما ثالث وأكثر في بعض الأحيان، مُسبّبين بإغلاق وجهة السير المُقابلة، ومُزاحمين السائقين الذين يقفون بانتظام في إنتظار دروهم للمرور. وما أن يقع حادث سير أو أن تتفاقم حركة المرور على طريق ما، حتى يُسارع العديد من السائقين إلى القيادة على الرصيف أو إلى محاولة الرجوع إلى الخلف أو حتى إلى القيادة بعكس وجهة السير، لاستبدال الطريق المُزدحم، مُسبّبين في مُضاعفة أزمة السير، إضافة إلى الأخطار الكبيرة على حياة الكثير من السائقين الآخرين. وفوضى القيادة لدى الكثير من السائقين اللبنانيّين تتعدّى مسألة عرقلة حركة المرور، وهي تتسبّب بحوادث قاتلة كان يُمكن تجنّبها بسهولة. فمخالفات هذه الفئة من السائقين اللبنانيّين "البلا أخلاق"، تشمل تجاوز الإشارات الضوئيّة الحمراء، وعدم إحترام حق الآخرين بالمرور، وكذلك عدم التقيّد بالسرعة القُصوى وبوجهة السير، والتلهّي بالهاتف، إلخ.

فكم من المرّات يفاجئ السائق "القانوني"-إذا جاز التعبير، بسائق أحمق و"بلا أخلاق" يقود بعكس وجهة السير مع إضاءة مصابيحه العلويّة في حال كان الظلام قد حلّ، وكم مرّة يُفاجأ هذا السائق "المُنضبط" بسائق أرعن يقطع "الضوء الأحمر" بسرعة جنونيّة أمامه، وكم مرّة يواجه هذا السائق "المُحترم" سائقًا متهوّرًا يقود سيارته بسرعة جنونيّة متجاوزًا السيارات الأخرى بمناورات قياديّة خطرة إلى اليمين واليسار، وبقيادة متعرّجة لا تقيم وزنًا لحياة مُستخدمي الطريق الآخرين ولأملاكهم. وكم مرّة يتعرّض السائق "الإنضباطي" لمخاطر قاتلة من سائق باص لا يقيم إعتبارًا لحياة ركابه وباقي السائقين على الطريق، ومن سائق شاحنة يقود إلى اليسار بسرعة عالية ويتصرّف بعدائيّة مفرطة غير آبه بحياة ركاب السيارات أمامه وإلى جوانبه، والتي تبدو كألعاب صغيرة من مقصورته العالية والمُحصّنة بالحديد الثقيل.

وكم مرّة يتعرّض السائق "المُهذّب" لمواقف مُحرجة بسبب "زَعْرنات" بعض السائقين "البلا أخلاق" فيصير عالقًا بين خيارين سيّئين، إمّا السكوت عن تجاوزاتهم ومخالفاتهم، وإمّا الإضطرار إلى الإنحدار إلى مُستوى إجتماعي وأخلاقي مُتدنّ، مع ما يرافق ذلك من شتائم وسباب وربّما من عراك جسدي، في حال مواجهتم بالحق.

في الختام، وعلى أمل أن يبزغ في المُستقبل فجر دولة القانون التي تُطبّق على الجميع، وأن تفرض القوى الرسميّة المعنيّة كل القوانين، وفي طليعتها قوانين السير، بالقوّة على كل السائقين، وأن تردع المُخالفين منهم بأقسى العقوبات الماليّة والتنفيذيّة مثل سحب رخص السوق وُصولاً إلى السجن، كما هي الحال في مختلف دُول العالم المُتحضّر، لا يسعني اليوم سوى ضمّ صوتي إلى السائقين اللبنانيّين المُحترمين على الطريق، والذين لا يحظون بفرصة التعبير عن رأيهم بوجه بعض السائقين اللبنانيّين "البلا أخلاق" للقول: أنتم حثالة المُجتمع اللبناني، وأنتم من تُشوّهون صورته، وشتائمكم على الطريق مردودة إليكم وهي لا تعكس أصلاً سوى مُستواكم الأخلاقي وتربيتكم الإجتماعية العفنة أبّا عن جدّ.