تتضارب التقديرات بشأن موعد إعلان تشكيل الحُكومة الجديدة حيث يجري طرح مواعيد مختلفة ومُتناقضة في الإعلام. فما هي آخر المعلومات في هذا الصدد؟

بداية، لا بُد من إستعراض أسباب التأخير الحالي والمُستمرّ لإنطلاق العهد الجديد، والتي تُختصر بثلاث نظريّات رئيسة، هي:

أوّلاً: أسباب تأخير التشكيل تعود فقط إلى خلافات محدودة بشأن بعض الحقائب، ومنها كما صار معروفًا حقيبة "تيّار المردة"، وإحدى الحقائب التي جرى التوافق على منحها إلى حزب "القوات اللبنانيّة" من دون مُوافقة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يتولّى التفاوض مباشرة أو عبر الوسطاء مع كل من رئيس الجُمهورية ورئيس الحكومة المُكلّف، وكذلك إلى بعض الخلافات الثانوية الأخرى بشأن إشراك هذا الحزب أو ذاك، وبهذه الحقيبة أو تلك.

ثانيًا: أسباب تأخير التشكيل تعود إلى رفض رئيس مجلس النواب وما يُمثّل، للإتفاقات الثنائية التي عُقدت على هامش تصويت ودعم كل من حزب "القوات اللبنانيّة" و"تيّار المُستقبل" لصالح العماد ميشال عون بشكل ساهم بوصوله إلى موقع الرئاسة. وكذلك رفض رئيس المجلس النيابي ومن خلفه "حزب الله" الذي فوّضه تولّي عمليّة التفاوض، للحصّة الوزاريّة المسيحيّة التي يرغب "التيّار الوطني الحُرّ" بتقاسمها مع "القوات اللبنانيّة"، وللحصّة الوزاريّة السنّية التي يرغب "تيّار المُستقبل" بالإستحواذ عليها. وهذا الأمر مُرتبط بالتوازنات السياسيّة التي ستطبع السُلطة في لبنان في الفترة المقبلة، وتحديدًا عشيّة الإنتخابات النيابيّة، والتي تختلف عمّا كان الوضع عليه في زمن الإنقسام بين قوى "8 و14 آذار" السابقة.

ثالثًا: أسباب تأخير التشكيل تعود إلى رفض "حزب الله" ومن خلفه القوى الحليفة كافة، للتموضع الجديد لرئيس العماد ميشال عون، والذي إنتقل من موقع حليف قوى "8 آذار" وخصم قوى "14 آذار" في السنوات العشر الماضية، إلى موقع وسطي بعد إنتخابه رئيسًا. ومن الأسباب أيضًا رفض "الحزب" لما يُحكى عن عزم "التيار الوطني الحُرّ" خوض الإنتخابات النيابية المُقبلة بالتكافل والتضامن مع حزب "القوات اللبنانيّة"، مع وجود إحتمالات كبيرة بإمكان التحالف إنتخابيًا مع "تيّار المُستقبل" في بعض الدوائر. كما أنّ "حزب الله" غير مُوافق على تنظيم الإنتخابات النيابيّة وفق "قانون الدوحة" في ظلّ هذه التحالفات، ولا يرغب بعودة قويّة لرئيس "تيّار المُستقبل" رئيس الحُكومة المُكلف سعد الحريري إلى السُلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة من موقع قوّة، علمًا أنّ "تيار المُستقبل" وغيره الكثير من القوى السياسيّة غير متحمّسين لتغيير هذا القانون الإنتخابي الذي يمنحهم فوزًا أكيدًا في العديد من الدوائر، خاصة في حال وسّعوا دائرة التحالفات.

وبالتالي، في حال كان السبب مُجرّد مناكفات على بعض الحقائب، وعلى ضمّ إحدى الشخصيّات إلى الحكومة وإخراج أخرى، فإنّ الأيّام المُقبلة مُمكن أن تشهد ولادة الحكومة، خاصة وأنّ المعلومات المتوفّرة تؤكّد إستمرار المساعي الجدّية لعقد إجتماعات رفيعة بين أكثر من طرف، من بينها إجتماع مُرتقب بين كل من العماد عون ورئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجيّة، وكذلك إستمرار المساعي للقيام بإعادة توزيع على صعيد الوزارات الخدماتية بين أكثر من طرف.

أمّا في حال كان السبب الإمتعاض من التموضع "العَوني" الجديد، فإنّ الأمور ستأخذ مزيدًا من الوقت، أي أسابيع عدّة وربّما إلى فترة ما بعد الأعياد، في إنتظار حُصول لقاءات مختلفة لتوضيح الأمور بين "التيار الوطني الحُرّ" من جهة، و"حلفاء الأمس" من جهة أخرى، وفي إنتظار وضع صياغة دقيقة لحكومة لا يكون فيها "الثلث المُعطّل" بيد أيّ من التحالفات الثنائيّة القديمة أو المُستجدّة.

أمّا في حال كانت النظريّة الثالثة هي الصحيحة، فإنّ تشكيل الحكومة سيدخل في غيبوبة طويلة، لأنّ فقدان الثقة بين "التيار الوطني الحُرّ" و"حزب الله" يعني إعادة خلط الكثير من الأوراق، ما يستوجب وضع ضوابط للحكم ولقانون الإنتخابات وللتحالفات المُقبلة من اليوم، وقبل تسهيل عمليّة تشكيل الحُكومة. والشروط القاسية قبل تسهيل التأليف ستشمل أيضًا في هذه الحال، رئيس الحُكومة المُكلّف" الذي لم تهضم الكثير من قوى "8 آذار" عودته إلى الحكم، في ظلّ التطوّرات الميدانيّة في سوريا. كما أنّ الشروط المطلوب حلّها عندها، ستشمل بالتأكيد التوافق على طبيعة قانون الإنتخابات النيابية وعلى موعد إجرائها، ما لم يكن أيضًا على التحالفات المُرتقبة خلالها.

في الخلاصة، لا يُمكن الجزم بموعد تشكيل الحكومة، لأنّ المسألة يُمكن أن تستغرق أيَامًا محدودة إذا كان الأمر مُجرّد خلاف على حقيبة أو حقيبتين، وأسابيعَ عدة إذا كان الأمر يستوجب تطمينات وتعهّدات من بعض القوى منعًا لأيّ تغيير جذري في التوازنات السياسيّة الداخليّة الدقيقة. ومسألة التأليف يُمكن ألاّ تتم في المدى المنظور، حيث سيتمّ وضع عراقيل مُتتالية لأشهر عدّة، إذا كانت المسألة مُرتبطة برفض "حزب الله" والقوى التي تدور في فلكه، للتحالفات الجديدة التي نسجها "التيار الوطني الحُر"، وخشية هذه القُوى مُجتمعة من إنعكاسات هذه التحالفات على نتائج أيّ إنتخابات نيابيّة مُقبلة. وطالما أنّ كلاً من النظريّات الثلاث المذكورة أعلاه بشأن أسباب التأخير في تشكيل الحكومة وارد، فإنّ تحديد موعد دقيق لإنطلاق العهد الجديد هو نوع من التنجيم الكاذب أو ضرب من ضروب الحظّ في أفضل الأحوال.