لا يُمكن إدراج الصَواريخ الإسرائيليّة التي إستهدفت مواقع في منطقة الصبورة غرب دمشق في 30 تشرين الثاني الماضي، ومواقع في محيط مطار المزّة غرب دمشق في 7 كانون الأوّل الحالي، سوى في خانة الرسائل الإسرائيليّة الأمنيّة-السياسيّة الجديدة المُوجّهة خُصوصًا إلى "حزب الله" ومن يدعمه، والتي تُشكّل إمتدادًا لرسائل سابقة أكثر دمويّة. وأبرز هذه "الرسائل":

أوّلاً: أن لا "خُطوط حمراء" أمام التحرّكات الإسرائيليّة ضُد القوى التي تُواجهها، حتى في المناطق السوريّة التي يُفترض أنها تحظى اليوم بغطاء سياسي روسي، وبغطاء عملاني من منظومة بطاريات صواريخ روسيّة متطوّرة، بغضّ النظر إذا كانت المواقع التي تعرّضت للقصف أخيرًا إستهدفت بصواريخ جوّ-أرض من داخل الأجواء السورية أو من داخل الأجواء اللبنانيّة، أو بصواريخ أرض-أرض من الداخل الإسرائيلي. ففي الحالتين، الرسالة واضحة أن لا حظر على العمل العسكري في سوريا، ودائمًا بحجّة إستهداف شحنات صواريخ ومخازن أسلحة تابعة لحزب الله. وحديث الإعلام الرسمي السوري عن عدم وقوع أي إصابات وعدم إصابة أي أهداف تُذكر في هذه الإعتداءات الإسرائيليّة، لا يُخفّف من وقع هذا الخرق، وهو تحوّل إلى نكتة على بعض مواقع التواصل الإجتماعي بأنّ الصواريخ الإسرائيلية "الذكيّة" تتحوّل إلى "غبيّة" عند عبور الأجواء السورية فلا تُصيب أهدافها!

ثانيًا: إنّ إسرائيل ستُواصل العمل على أكثر من خط هُجومي ودفاعي لحماية مصالحها الإستراتيجيّة، وليس سرًّا أنّ الجيش الإسرائيلي كثّف في السنوات القليلة الماضية تدريباته ومناوراته القتالية الحُدوديّة، وقد كشفت إسرائيل منذ أسابيع قليلة عن مناورات قتالية جديدة للواء "عوز" الذي إستكمل تشكيله منذ قرابة العام، وهو يضمّ أربع وحدات نخبة، هي ماجلان، إيجوز، ريمون، ودوفدوفان، علمًا أنّ الهدف من هذا اللواء القتالي المُستحدث، تنفيذ عمليات خارج المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيليّة حاليًا.

ثالثًا: ترافقت الإعتداءات الصاروخيّة والمناورات العسكريّة، مع تعمّد السلطات الإسرائيليّة تسريب خريطة لأهداف عسكريّة تتهم فيها "حزب الله" بتحويل القرى والبلدات الجنوبيّة المليئة بالمدنيّين إلى قواعد عسكريّة وإلى منصّات لإطلاق الصواريخ، في إطار الحملات السياسيّة والإعلاميّة الإسرائيليّة المفتوحة على "الحزب"، والتي ترمي إلى تشويه صورته في العالم، وإلى لعب دور الضحيّة ودور الدولة المُهدّدة بصواريخ "مُنظّمة مُسلّحة" مُتّهمة بالقيام بأعمال إرهابية من قبل العديد من الدول الغربيّة.

رابعًا: واصلت السلطات الإسرائيليّة الإستفادة من الحرب السورية، وهي تعمل قدر المُستطاع على تغذية النزيف الدموي في سوريا والذي حوّل عمليّات "محور المقاومة" نحو الداخل السوري بدلاً أن يكون مُوجّهًا ضُدّها، وهي لا تأبه بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بقدر ما تهتمّ بتدمير سوريا وبناها التحتيّة، وبتمديد فترة الحرب لأطول فترة زمنيّة مُمكنة، بهدف إنهاك الجيش السوري كليًا، وزيادة الشرخ الكبير بين شرائح الشعب السوري الذي صار ربعه مُهجّرًا خارج سوريا، ولا تعنيه التحوّلات الميدانيّة في حلب أو غيرها. وليس سرًّا أنّ السلطات الإسرائيليّة تستفيد من جماعات مُسلّحة مُناهضة للنظام السوري، لتشكيل ما يُشبه "الحزام الأمني" الذي يُبعد أيّ خطر لانطلاق عمليّات "مُقاومة" فعليّة ضُدها في الجولان السوري المُحتلّ، كما كان المُخطّط الإيراني بُعيد حرب "تموز 2006"، والذي نال مُوافقة النظام السوري في حينه، والذي أوكِلَ تنفيذه إلى خبراء من "حزب الله"، ما دفع إسرائيل إلى إغتيال العديد من قادة "الحزب" الميدانيّين الذين تولّوا هذا الملفّ(1)، والعديد من القادة السوريّين الذين جرى تدريبهم(2)تأكيدًا على جدّية إسرائيل في مُواجهة هذا المشروع، مهما كانت النتائج والإرتدادات.

في الختام، المُواجهة الإسرائيلية مع "محور المُقاومة" مُستمرّة ومفتوحة، وطالما أنّ حرب الإستنزاف السوريّة مُتواصلة، فإنّ إحتمال المُواجهة المُباشرة والمفتوحة بين إسرائيل و"حزب الله" والقوى الحليفة سيبقى محدودًا، مع إستثناء رسالة من هنا وعمليّة من هناك وردّ فعل مضبوط من هنالك.

(1)أبرز هؤلاء القادة: محمد عيسى وجهاد مغنيّة، وهما سقطا مع آخرين في 18 كانون الثاني 2015 في غارة إسرائيلية على موكب يُقلّهم في القنيطرة، وذلك بعد سبع سنوات من إغتيال عماد مغنّية في 12 شباط 2008 في تفجير سيارة في حي كفرسوسة في دمشق، وسمير القنطار الذي سقط في 19 كانون الأوّل 2015 في غارة إسرائيليّة على مبنى في بلدة جرمانا قرب دمشق، وذلك بعد نحو ثلاث سنوات من خروجه من الأسر، ومصطفى بدر الدين الذي سقط في 13 أيار 2016 في قصف مبنى كان يتردّد إليه سرًّا قرب مطار دمشق الدولي، علمًا أنّ "الحزب" حمّل "الجماعات السوريّة المُعارضة" مسؤوليّة الإغتيال الأخير.

(2)أبرز هؤلاء موفّق بدريّة من بلدة عرنة في ريف القنيطرة، وهو كان مساعدًا أساسيًا للقنطار، وسقط في 17 حزيران 2014 بصاروخ مُوجّه، وفرحان الشعلان من بلدة عين قنيا وإستهدف مع القنطار في عملية الإغتيال نفسها الي أودت بعميد الأسرى السابق في السجون الإسرائيليّة.