تصاعدت في الآونة الاخيرة تصريحات الرئيس الاميركي المنتخب ​دونالد ترامب​ المنتقدة للاتفاق النووي الذي عقد مع ​ايران​، وقوله صراحة انه سيحاول الغاءه وكأنه لم يكن. وبغض النظر عن الردود الاقليمية والدولية التي تلت هذا الموقف، من المفيد القيام بجولة سريعة على الواقع الحالي الذي يسود بالنسبة الى هذا الاتفاق.

وفيما جاءت الردود الاقليمية والدولية منتقدة لهذا الموقف، وضع ترامب نفسه في موقف حرج، فهو وصل الى اعلى ما يمكن الوصول اليه من كلام عال، ولم يترك مجالاً للتراجع، فإما ان ينفّذ ما قاله، او انه سيواجه انتقادات اخصامه في السياسة. والواقع ان هناك في اميركا من يلوم الرئيس الفعلي الحالي اي باراك اوباما على عدم تنفيذ بنود الاتفاق كاملاً بحيث ترك مجالا للرئيس الأميركي المنتخب او لغيره للحديث عن نسف الاتفاق، فيما كان يجب ان يصبح خارج اي نقاش منذ فترة غير قصيرة.

الانقسام الاميركي حول الاتفاق كفيل بعدم رفع الغطاء الرسمي لواشنطن عنه، فمدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جون برينان قال منذ ايام قليلة (اخر الشهر الفائت)، ان التخلي عن الاتفاق ستكون له عواقب وخيمة. اما الكونغرس فيتّجه الى توافق حول الابقاء عليه، ليس من أجل مصلحة ايران بالطبع، بل لأن فيه مصلحة لاميركا ولنفوذها. وهناك سبب آخر ايضاً يجعل نقض الاتفاق اميركياً غير سهل، وهو انه سيشكل سابقة خطيرة بتخلي عهد اميركي جديد عن التزامات قدّمها عهد سابق، ما سيقوّض هيبة الولايات المتّحدة واحترامها من قبل دول اخرى، ويضع اي كلام او التزام للادارة الجديدة موضع التشكيك في المستقبل.

في المقابل، ومع الاهمية الكبيرة لاميركا ونفوذها المعروف، الا انها لسيت الوحيدة المعنية ب​الاتفاق النووي​ الذي تم، فهناك غطاء دولي تم تأمينه من قبل كل من: الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا والمانيا. هذا الامر يجعل من الضروري الحصول على موافقة هذه الدول قبل الشروع في التراجع عن الاتفاق او "نفض اليدين منه"، ولا يبدو ان هذه الدول في معرض التراجع او القبول بالتراجع عن الاتفاق الذي تم التوصل اليه، خصوصاً وان ايران لم تعط اي ذريعة عملية كي يتفق العالم والاوروبيون بشكل خاص على التخلي عن الاتفاق.

ان التوافق الدولي على الاتفاق، يعطيه حصانة معينة من اعادة النظر به على صعيد اي دولة اكانت على مستوى اميركا ام اقل منها، وهذه الدول تضع مصالحها قبل المصالح الاميركية بطبيعة الحال، ما يعني انه في الوقت الراهن، لا تبدو اوروبا في وارد نسفه. ويعرف الاوروبيون حتماً، انه يمكن لايران ان تلعب دوراً مساعداً قي المنطقة ولا يجب تحويلها الى عدو لان النتائج لن تكون في مصلحة الغرب ولا الدول الاوروبية المعنية، كما تتوق الدول الاوروبية الى اظهار نضوجها وانفصالها عن العباءة الاميركية التي كانت دائماً حاضرة لتغطيتها عند المشاكل او عند بروز خطر معيّن.

اضافة الى ذلك، باتت طهران قوة نفطية وتكنولوجية وعسكرية لا يمكن الاستخفاف بها، ولو انها لم تصل بعد الى مستوى الدول الخمس الكبرى، ولكنها تسير بخطى ثابتة واصبحت تحت المجهر.

وبين هذا وذاك، يمكن ان تجد اميركا نفسها، في حال تخلت بالفعل عن الاتفاق النووي، "معزولة" عن الخارج، فيما تحتاج في الداخل الى وقت طويل لاعادة الترابط بين مختلف مكونات وطبقات الاميركيين بسبب الهوة التي خلقها انتخاب ترامب، وليس من السهل المحاربة على جبهتين مختلفتين: الاولى سياسية دبلوماسية خارجية، والثانية محلية تزيد من الشرخ القائم.

وعليه، يمكن القول ان اي محاولة اميركية لنقض الاتفاق النووي مع ايران، لن يكون مصدر قوة لواشنطن، انما الاصح انه قد يكون مصدر ضعف وسبب من اسباب المشاكل التي ستصيبها.