لا يمكن لاي كان، من المعارضين السياسيين او من المؤيدين، الا ان يتوقف عند الكلام الذي يقوله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كل مناسبة. فما يقال يمكن ان يبنى عليه من اجل توقع ما ستحمله الايام المقبلة، خصوصا على الساحة المحلية.

في الكلمة الاخيرة له منذ ايام، صدرت مواقف واضحة وصريحة لنصر الله تناولت مجمل الامور في لبنان، ولكن هناك بعض المواقف التي يمكن قراءتها بين السطور ولعل ابرزها:

-استمرار الوضع السياسي والخريطة السياسية على حالها، رغم تباعد الخطوط في كل فريق من 8 و14 آذار، وعدم حصول تغييرات جديدة في هذا المجال.

-التأكيد على ان حزب الله ولو انه بعيد عن الاضواء الاعلامية، الا انه قريب من كل الاحداث والتطورات على الساحة، والكلام عن اطلاع الحزب على كل ما يحصل في الشأن الحكومي وبالتفصيل، دليل اكثر من كاف على انه على بيّنة من كل الامور في لبنان، الصغيرة منها والكبيرة، وان دوره ليس مجرد المراقبة بل يتعداه الى الضلوع مباشرة في كل الامور.

-وجّه نصر الله رسالة الى الحلفاء مفادها ان ما يقوم به الرئيس ميشال عون يحصل على دعم حزب الله، وبالتالي لا يجوز للحلفاء توجيه انتقادات الى العهد حتى لو كان للبعض منهم مآخذ سياسية او شخصية، وبالتحديد في شأن الحكومة، لأنّ من ينضم او لا ينضمّ الى هذه الحكومة (كشخص وليس كمكوّن) ليس معياراً كونها حكومة انتخابات، بل المعيار سيكون في الحكومة التي تلي. فيما كانت رسالته الى الخصوم السياسيين ان حزب الله لن يخسر العهد هذه المرة كما خسره في المرة السابقة، وطالما بقيت الامور على حالها بين الضاحية وبعبدا، ستبقى العلاقة وثيقة مع الرئيس عون. فخسارة الزعيم المسيحي كانت اسهل من خسارة الرئيس، ومع ذلك لم يتخذ هذا الخيار سابقا.

-رسالة اخرى يمكن استخلاصها، وهي ان على المسؤولين السياسيين والحزبيين في لبنان ان يدعوا التطورات الاقليمية والدولية جانباً وان يركزوا على التطورات المحلية، فاللاعبون على الساحة الخارجية لن يتأثروا بالكلام الصادر عن اي مسؤول او زعيم لبناني. اما بالنسبة الى حزب الله، فالامر مغاير، لان ما يقوم به على الارض يضعه حكماً كلاعب على الساحة الاقليمية، له دوره ومواقفه. ولكن نصر الله كان جازماً حين شدد على ان الحزب قادر على الفصل بين اهتماماته الاقليمية واهتماماته الداخلية، وهو بالتالي يقبل بالحصص الوزارية البسيطة لانه غير خائف على دوره محلياً، دون ان يغفل عمّا يحصل في المنطقة، مع اطمئنانه (وفق ما لفت اليه) الى ان وضع الحزب سيكون افضل على الصعيد الخارجي.

-الدعوة الى الحوار التي وجّهت خلال الكلمة، كانت واضحة، ولو اتت عبر تحذير من عدم استعمال سياسة الضغط على الحزب، مع نصيحة مبطّنة تقضي بأن الحوار مع الحزب حالياً افضل بكثير من محاورته فيما بعد، لان الوقت، وفق رؤية نصر الله، لا يصبّ في خانة الافرقاء المعارضين للحزب.

-وفي ما خص ​قانون الانتخاب​، ابدى الامين العام لحزب الله عدم انزعاجه من اي قانون يتم اقراره، ولو انه طالب بالنسبيّة. فهو كرر الموقف نفسه الذي كان يقوله سابقاً لجهة ان اي قانون، حتى ولو قانون الستين، لا يضر الحزب. ولكن الجميع يعلم انه من الافضل عدم المضي بهذا القانون لانه يهدد بمنع حصول صدمة ايجابية مرغوبة من قبل اللبنانيين لاشعار الناس بان شيئاً ما تغيّر من جهة، ويعطي الضمانة ولو الشكلية لجميع المكونات بأن دورها لن يكون هامشياً في الحياة السياسية.

اما رسالة الاطمئنان التي بعث بها نصر الله فكانت للمسيحيين، حين اكد عدم وجود مواجهة بين ثنائية مسيحية وثنائية شيعية، وبأن الاستقرار الداخلي سيبقى اولوية للجميع ولا خوف من اي مواجهة امنية بين مختلف اللبنانيين، او من ان يؤدي اي تصاعد خلافي في السياسة الى "تهميش" طائفة او تغييبها عن الصورة العامة.