في 20 كانون الثاني المُقبل، ستنتقل السلطة رسميًا في واشنطن من إدارة الرئيس المُنتهية ولايته ​باراك أوباما​ إلى إدارة الرئيس المُنتخب ​دونالد ترامب​. فهل سيحمل هذا الأمر تغييرًا في السياسة الأميركيّة الخارجيّة، من الناحيتين التكتيّة والإستراتيجيّة، خاصة بالنسبة إلى ملفّات الشرق الأوسط الشائكة والصعبة، وتحديدًا في سوريا؟

لا شكّ أنّ عهد الرئيس أوباما تميّز بكثير من التردّد والإنكفاء وعدم وُضوح الرؤية والهدف، إزاء قضايا خارجيّة عدّة وفي طليعتها الملفّ السوري، الأمر الذي سمح لخُصوم واشنطن الكُثر بتعبئة الفراغ الذي أحدثته السياسة الخارجيّة الأميركيّة في أكثر من مكان في العالم، خاصة في العراق حيث صار لإيران اليد الطولى، وفي سوريا حيث بات الثقل السياسي والميداني لكل من ​روسيا​ وإيران والعديد من القوى التي تدور في فلك طهران. ومع إستكمال السيطرة على كامل مدينة حلب، يكون النظام السوري قد أنهى-وبدعم كبير من القوى الإقليميّة والدَولية التي ساندته عسكريًا، السيطرة على ما إصطلح على تسميته سوريا المفيدة أو الحيويّة. والسؤال الذي يفرض نفسه حاليًا: هل ستُستكمل العمليّات العسكريّة في المُستقبل لإستعادة السيطرة على كامل الأراضي السوريّة، أم أنّ السيطرة الميدانيّة الحالية صارت أكثر تقبّلاً لمشروع تقسيم سوريا؟

إنّ حديث الرئيس السوري ​بشار الأسد​ عن إستعادة السيطرة على كامل سوريا غير قابل للتنفيذ عبر وحدات الجيش السوري التي لا تزال تأتمر بدمشق، وعبر بعض القوى الشعبيّة السوريّة التي جرى تسليحها وتدريبها في السنوات القليلة الماضية. والمسألة تتطلّب دعمًا عسكريًا ميدانيًا مُتواصلاً من كل من روسيا وإيران والميليشيات التي إستقدمتها هذه الأخيرة إلى سوريا. وتُوجد "سيناريوهات" مطروحة حاليًا، من أنّ طهران تُخطّط لإرسال قوات "​الحشد الشعبي​ العراقيّ" المدعومة من قبلها إلى الداخل السوري، بعد الإنتهاء من معركة مدينة المُوصل(1)وبعض القرى والبلدات الحدوديّة بين سوريا والعراق. وستكون حُجّة مُطاردة مُسلّحي تنظيم "داعش" الإرهابي في الرقة، هي الغطاء الذي سيُستخدم دبلوماسيًا على المُستوى الدَولي لتبرير هذه الحملة، علمًا أنّ ما يُميّز معركة المُوصل الحاليّة أنّ القوّات المدعومة من إيران تُحاول حصار المدينة من كل الجهات، لمنع فرار المُسلّحين إلى الرقة، بينما في معارك سابقة في العراق، جرى ترك منفذ واحد على الأقل لتسهيل فرار إرهابيّي "داعش"، الأمر الذي إعتبر سببًا إضافيًا لتأكيد خطط طهران المُستقبليّة بالدخول إلى سوريا عبر الحدود العراقيّة، لأنّها لا تريد فرار مُسلّحي "داعش" إلى الرقة، وترغب بالقضاء عليهم في المُوصل.

وبحسب أكثر من خبير سياسي غربي، إنّ سوريا بعد إنتهاء معركتي حلب في سوريا والمُوصل في العراق، ستكون بين حدّين: الأوّل يتمثّل باستمرار المشروع الإيراني الرامي إلى مدّ نُفوذ إيران الإقليمي إلى الداخل السوري، مُستفيدة من دعم روسيا التي تُخطّط بدورها للإحتفاظ بنفوذها السياسي وبوجودها العسكري في الشرق الأوسط، وكذلك بتأمين مشاريع تصدير الغاز المُستقبليّة فيها، وبتنفيذ سياسة الحرب الإستباقيّة ضد الجماعات الإسلاميّة المُسلّحة المُعادية لها، قبل إنطلاقها إلى روسيا الإتحاديّة للقيام بهجمات إرهابيّة. والثاني يتمثّل في تقسيم سوريا إنطلاقًا من موازين القوى الحالية، لجهة أنّ نظام الرئيس الأسد يبقى قائمًا في المنطقة الساحليّة على البحر الأبيض المتوسّط، وفي أغلبية المدن السورية الرئيسة التي تربط العاصمة دمشق بجنوب البلاد وبشمالها، بينما يتمّ منح شرق سوريا إلى "المُعارضة السوريّة"، ومنح الأكراد منطقة حُكم ذاتي صغيرة مع حفظ المصالح التركيّة من خلال غضّ الطرف عن المناطق الحُدوديّة التي سيطرت عليها أنقره خلال عمليّة "درع الفرات".

وبحسب الخبراء الغربيّين أنفسهم، إنّ أيّا من هذين المشروعين المذكورين أعلاه لن يتحقّق بين ليلة وضحاها، بل على مدى سنوات من الضغوط السياسيّة وحروب الإستنزاف. والمُؤشّر الأبرز الذي سيُحدّد الإتجاه الذي ستسلكه الأمور في المُستقبل، أكان نحو تقسيم سوريا كأمر واقع قائم، وذلك تمهيدًا لإعادة ملايين المُعارضين إلى مناطق جغرافية تقع خارج نفوذ حُكم الرئيس الأسد، أو نحو إستمرار سعي إيران لمدّ سيطرتها إلى كامل سوريا، لتُطبق عندها خناقها على إسرائيل، يتمثّل في الجهة التي ستسيطر على مناطق "داعش" في سوريا، وخاصة في محافظة الرقة.

في الختام، الأكيد أنّ إيران ستُواصل العمل على مشروعها، مُستفيدة من الدعم الروسي الإستراتيجي والرامي إلى الحفاظ على مصالح موسكو في الشرق الأوسط، وفارضة شروطها على الحُكم السوري الذي صار مدينًا ببقائه لطهران. في المُقابل، هل سُتواصل إدارة الرئيس الأميركي الجديد سياسة الدعم الجزئي لرفع العتب، وحروب إستنزاف خُصومها بالواسطة، أم أنّها ستدخل بشكل أكثر جدّية وحزمًا على خط الصراع السوري، بعد أن بدأت التطوّرات الميدانية تأخذ منحى يتجاوز إضعاف الدور الأميركي في الشرق الأوسط ككل، ويرتبط بمسألة تهديد أمن حليفها الإستراتيجي، أي إسرائيل، بشكل مُباشر وجدّي؟

(1)تُعتبر معركة المُوصل المُستمرّة منذ نحو شهرين، المعركة الأكبر في العراق منذ الإجتياح الأميركي في العام 2003، ويُشارك فيها عشرات آلاف المُقاتلين بتغطية جويّة من التحالف الدَولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة.