كابوس ​الصحافة الورقية​ لا يريد ان ينتهي. الأزمة لا تزال ترزح في غرف الإنعاش، ووضعها يسيء يوما بعد يوم، لا من ينقذ أو معيل، سوى بعض الجرعات الماديّة المؤقتة التي تعطي الصحف القليل من الاوكسجين "لتتعكّز على أقدامها"، والمبادرات التي تطلقها الدولة لانتشال الموظفين من تحت أنقاض الأزمة التي لا حول لهم بها ولا قوة... لكن، إن بقيت هذه المبادرات داخل الأدراج، ستختنق وتموت.

فبعد ان عملت جاهدة على الوقوف من جديد على قدميها بعد قرار اقفالها منذ قرابة تسعة اشهر، عادت جريدة "السفير" بنسختيها الورقية والالكترونية الى قرار الاقفال، حيث أعلنت أن تاريخ 30 كانون الأول سيكون موعد اصدار النسخة الأخيرة منها.

وفي حين تفيد معلومات "النشرة" أنه "خلال الاجتماع الذي عقده ناشر الجريدة ​طلال سلمان​ بين الادارة وفريق التحرير، أبلغت الادارة الأخير بأن الوضع المادي لم يعد يسمح بالاستمرار رغم الاجراءات التي تم اتخاذها بعد النكسة الماضية، ولا نريد أن نكون كغيرنا من المؤسسات التي تمتنع عن دفع الرواتب للموظفين، وبالتالي الأفضل أن نقفل الآن لنعطي كل ذي حق حقه"، إلا أن مصادر صحيفة "النشرة" المقربة من الناشر طلال سلمان أقرّت بأن "الجريدة لم تقفل بسبب الأزمة المالية، حتى انها لم تتأخر يوماً عن دفع رواتبها، إنما لأسباب اكبر تخطت حدود موازنة واقتصاديات الجريدة، فالسبب الأساسي للاقفال هو عائلي بامتياز، إذ أن الصراع على ملكية الجريدة هو الذي أجبر سلمان على وضع حد لحياة الجريدة وإعلان وفاتها، تفادياً لتفاقم الخلافات العائلية"، مؤكدة أنه "لولا هذه الأسباب لكانت الجريدة استطاعت تلقّف الأزمة الماليّة وترويضها في سبيل متابعة مسيرتها والرفق بموظفيها".

من التالي؟

"جريدة "المستقبل" هي التالية"، ترجّح مصادر مطّلعة بأسف عبر "النشرة"، وتلفت الى ان "الجريدة تحتضر جراء الأزمة المالية التي تفتك بها، والأجواء من داخل الجريدة تشير الى أنها ستتوقف عن العمل مطلع العام المقبل"، في حين طمأنت المصادر عينها ان "جريدة اللواء بوضع لا يرثى له، فهي تعاني من أزمة ماليّة لكنها قامت بعمليات جراحيّة لوقف نزيف المال الذي كاد أن يقضي عليها، فقلّصت من عدد موظفيها، وانعشت نفسها مؤقتاً، إذ انها اليوم لا تتأخر في دفع رواتبها".

"فيروس الأزمة المالية يفتك بجميع الصحف الورقية رغم وقوف البعض منها على أقدامها والتكتم عن كل ما يحل بها داخل "أروقتها المصرفيّة"، تعتبر مصادر مواكبة للأزمة، وتؤكد لـ"النشرة" ان "جريدة "النهار" ورغم كل ما تعانيه من ضيق مالي، إلا انها تريد فعل المستحيل كي لا تقفل، فهي تدرس خططاً وطرقاً لإنعاش نفسها من جديد. إدارتها تعتزم تقليص عدد موظفيها، مضاعفة مهام بعضهم، واجراء إعادة هيكلة جديدة وشاملة للكادر الوظيفي والاداري فيها"، مشيرة الى أن "صحف "الجمهورية"، "الاخبار"، و"الديار" لا يزالون في أحوال مستقرة نسبةً للأزمة الراهنة".

متى ستستنهض الدولة حسّها المسؤول وتحرّك ضميرها وتفعّل مشاريعها رأفة بهذه المؤسسات المتهالكة وموظّفيها الذين أصبحوا يعيشون يومهم خائفين من قرارات الغد؟.

منذ اكثر من ثمانية أشهر، تقدم وزير الاعلام ​رمزي جريج​ بمشروع "انقاذ الصحافة الورقيّة" الى مجلس الوزراء وتمت احالته الى وزارة المال، إلا ان المشروع لا يزال حتى الساعة حبيس الادراج.

يعرب وزير الاعلام رمزي جريج في حديث مع "النشرة"، عن أسفه "لما تعيشه الصحف الورقية من أزمات تجبرها على التوقف عن العمل وتدمير مستقبل موظفيها على رؤوس عائلاتها"، لافتاً الى انني "أعايش كل الازمات التي تمر بها الصحف وأتابعها مع إداراتها"، وعن المشروع الانقاذي الذي تقدم به لمجلس الوزراء، يقول جريج أنه "تم تحويل المشروع الذي يهدف الى دعم الدولة للصحف الورقية مادياً، الى وزارة المال لتقييم كلفته"، آملاً "أن تتشكل الحكومة الجديدة الاسبوع المقبل لتبدأ وزارة المال الجديدة بتحريك الملف والبت به".

"المشروع واقعي وليس خيالياً، وكلفته ليست باهظة على الدولة، إذ تبلغ 10 ملايين دولار سنويا"، يؤكد جريج. وعن تفاصيله يوضح وزير الاعلام انه "مستوحى من التشريع الفرنسي، ويقوم على تقديم الدولة لدعم مادي مباشر للصحافة الورقية، قيمته 500 ليرة عن كل عدد من الصحف التي تصدر حاليا، كما يتضمن آليّة لمراقبة عدد الصحف المباعة".

ويعلن جريج عن بنود أخرى تندرج ضمن هذا المشروع وهي "الإعفاءات الجمركيّة على استيراد الورق والأدوات الطباعية، والتزام الإدارات والمؤسسات العامة أخذ اشتراكات من الصحف وتوزيعها على العاملين لديها، وخفض فاتورة الهاتف والإنترنت على الصحف الورقية، وتحميل الدولة تعرفة الاعلانات نفسها للأفراد وعدم التأخر في تسديدها"، مشدداً على ان "كل موظف يُصرف من صحيفة، يتقاضى كامل مستحقاته المالية، وكل ذلك يتم تحت رقابتنا".

في الخلاصة، تبقى المصالح أعلى من المؤسّسات الاعلاميّة ليحتكم أصحابها الى "الليرة"، وليس للتطوير لتجنّب توقّف طباعة الصحف وصرف الصحافيين والاعلاميين، على الرغم من أن أي مؤسّسة صحافيّة ورقيّة باستطاعتها تجاوز محنتها بايجاد مخرج هو من السهولة بمكان لضمان استمراريتها والمنافسة والبقاء على قيد الحياة.