على وقع الإتصالات الإقليمية والدولية، الهادفة إعادة إتفاق وقف إطلاق النار فيما تبقى من أحياء مدينة​حلب​ الشرقية إلى الحياة، يبدو أن بعض فصائل المعارضة السورية كانت تعيد قراءة حساباتها نتيجة الضغوط التي فرضت عليها، على إعتبار أن ما بعد خسارة عاصمة البلاد الثانية لن يكون كما قبلها، نظراً إلى الأهمية التي تكتسبها على المستويات كافة.

وفي حين برز الدور التركي والروسي على هذا الصعيد، من خلال المشاورات، التي إستمرت طوال ساعات يوم أمس بعد الإعلان عن إنهيار الإتفاق، التي توجت بالإتصال الهاتفي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، لا يمكن إهمال الإنتقادات التي وجهت إلى قادة الفصائل المسلحة، التي وصلت إلى حد تحميلها مسؤولية ما يحصل من تراجع على الجبهات، بسبب الخلافات فيما بينها على القيادة بدل التوحد في المعركة.

في هذا السياق، حصلت في بعض المناطق التي تسيطر عليها هذه الفصائل، تظاهرات خصوصاً في محافظة إدلب، والتي شهد بعضها هجمات على مراكز تابعة لتلك الفصائل ورفع شعارات معارضة لطريقة عملها، الأمر الذي دفع رئيس هيئة "الدعوة والإرشاد" في حركة "أحرار الشام" موفق أبو الصادق إلى دعوة المتظاهرين لعدم السماح "لمن يركب الموجة"، من "الخوارج" وأتباع الحكومة السورية، بحرفها باتجاه الفوضى أو الفتنة والتخريب، لكن اللافت أكثر هو حديث مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة نفسها لبيب نحاس عن أن "توحيد الخطاب والتمثيل السياسي أولوية"، مشيراً إلى أن "عهد الفصائليّة سينتهي قريباً، ولكن يجب أن نحسن ادارة الانتقال للمرحلة المقبلة، فالفصائل لا تزال شوكة الثورة والميدان هو الفيصل".

من وجهة نظر البعض، هذا التحول في خطاب نحاس، الذي كان من أبرز الرافضين لفكرة الإندماج التي جرى الحديث عنها مع "​فتح الشام​"، جاء نتيجة الإتهامات التي وُجهت إلى الحركة، التي تعيش خطر الإنشقاق، بالتخاذل عن "نصرة" حلب والذهاب للقتال ضمن عملية "درع الفرات" تلبية لرغبة الحكومة التركيّة، بعد إعلان قيادات فيها عن تشكيل "جيش الأحرار" بقيادة أبو جابر الشيخ، نتيجة الخلاف في مجلس الشورى على إختيار أمير الحركة الجديد، حيث تم إنتخاب علي العمر بعد إعلان 8 من الأعضاء تعليق عضويتهم.

وفي وقت طرح هذا الموقف علامات إستفهام حول حقيقة "الإندماج" و"توحيد" الخطاب والتمثيل السياسي، الذي تحدث عنه نحاس، لا سيما أن "الإئتلاف الوطني السوري" كان يعتزم إصدار موقف واضح بالتخلي عن "فتح الشام"، بسبب تصنيفها منظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والعديد من الدول، واعتبر البعض أن هذا التحول جاء متأخراً خصوصًا بعد نجاح الجيش السوري في إستعادة السيطرة على غالبيّة أحياء مدينة حلب، ومن خلال الإتفاق الجديد، الذي لم تكن "أحرار الشام" بعيدة عنه، ستعود كل المدينة إلى كنف الدولة، وبالتالي قد لا تكون "فتح الشام" جزءاً من "الأندماج" الجديد، نظراً إلى أنها لن تقبل القتال تحت لواء الحكومة التركية، كما أن أنقرة لن تغامر بهذا الأمر، ما يرجّح أن يكون الإندماج الجديد هو بين الفصائل التي تقاتل تحت لواء "درع الفرات"، أي أنه من دون فاعلية تذكر إلا على المستوى الإعلامي، بغرض التخفيف من حدة الإنتقادات، في حين أن إنضمام الجبهة إليه سيكون له تداعيات سلبية على المستويين السياسي والإعلامي.

في المحصلة، على الرغم من أن مختلف فصائل المعارضة السوريّة باتت في وضع لا تحسد عليه، ستكون أمام مجموعة من التحديات التي تتطلب إتخاذ قرارات صعبة وخطيرة، لا سيما مع إقتراب تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب زمام الأمور وهو راغب في التعاون مع موسكو في الملف السوري.