التأخير في إرجاء إعلان التشكيلة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ لا يعود فحسب إلى صعوبة إعادة توزيع الحقائب بعد "الفيتو" غير المُعلن الذي وضعه "الثنائي الشيعي" على حكومة من 24 وزيرًا، لصالح حكومة من 30 وزيرًا، بل إلى التوازنات السياسيّة الدقيقة التي يحرص كل من "حزب الله" و"حركة أمل" وما يُمثلانه من إمتداد لقوى "​8 آذار​"، على تعزيزها. كيف ذلك؟

بداية، لا بُد من التذكير أنّ وزارة رئيس الحكومة المُستقيل تمّام سلام كانت تتكوّن من 24 وزيرًا، مع حصّة من 8 وزراء لتحالف "التيار الوطني الحُرّ" مع "حزب الله" وحركة "أمل"، أي مع قُدرة على تعطيل قرارات الحكومة عبر الثلث الضامن أو المُعطّل (تبعًا للتموضع السياسي للمُتكلّم)، لكن في ظلّ تفوّق عددي واضح لقوى "14 آذار" السابقة، خاصة وأنّ الثلث الذي قيل إنّه لشخصيّات وسطيّة، كان مُوزّعًا على كل من "الحزب التقدّمي الإشتراكي"، ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ورئيس الحكومة المُستقيل. أمّا اليوم، ومع التشكيلة المُنتظرة، فإنّ التوازنات السياسيّة الداخليّة مختلفة تمامًا. وحتى إذا كان شمل قوى "8 و14 آذار" قد تفرّق نتيجة قيام تحالفات جديدة وبسبب ترسّبات الصراع على الرئاسة، لكنّ الإنتماء السياسي لا يزال على حاله لأغلبيّة القوى السياسيّة. ومن هذا المُنطلق ضغط كل من "حزب الله" وحركة "أمل" إلى درجة وضع "فيتو" على قيام حكومة من 24 وزيرًا، لصالح حكومة من 30 وزيرًا، بحجّة ظاهرها تمثيل مختلف القوى، وباطنها رفع عدد الوزراء المحسوبين على قوى "8 آذار" الأصليّة-إذا جاز التعبير. فالصيغة الثلاثينيّة تُشرك مُمثّلاً عن "الحزب الديمقراطي اللبناني" بدل أن يكون التمثيل الدرزي محصورًا بوزيرين للحزب التقدّمي الإشتراكي، وتؤمّن مقعدًا للحزب القومي السوري الإجتماعي من حصّة الطائفة المسيحيّة، بدل أن يكون الحزب المذكور غائبًا أو ممثلاً عبر الحصّة الشيعيّة في أفضل الأحوال.

إشارة إلى أنّه وبغضّ النظر عن الخلاف على توزيع الحقائب والذي أدّى إلى إرجاء إعلان الحكومة، من المُلاحظ أنّ تغييرًا كبيرًا طرأ على التوازنات السياسيّة بعد وُصول العماد ميشال عون إلى منصب الرئاسة. فالقوى التي كانت مُصنّفة حتى الأمس القريب في خانة قوى "14 آذار" تتمثّل في الحكومة المُنتظرة بما مجموعه 12 وزيرًا (6 "تيار المُستقبل" و3 "قوات لبنانية" و1 في موقع مُتقاطع بينهما، و1 لحزب "الكتائب اللبنانيّة" و1 لحزب أرمني متحالف مع "المُستقبل")، في حال سلّمنا جدلاً أنّ وزيري "الحزب التقدمي الإشتراكي" يُصنّفان في خانة الوسطيّين.

في المُقابل، تتمثّل قوى "8 آذار" بما مجموعه 8 وزراء (3 "حركة أمل" و2 "حزب الله" و1 "الحزب القومي السوري" و1 "تيار المردة" و1 "الحزب الديمقراطي اللبناني"). وبالتالي في حال إضافة وزراء كل من رئيس الجمهورية(3) و"التيار الوطني الحُر"(4) و"الطاشناق"(1)، إلى قوى "8 آذار" كما كان التحالف السياسي في الحكومة المُستقيلة، يرفع حُضور هذه القوى إلى النصف زائد واحد وليس إلى الثلث كما كان في حكومة سلام مثلاً. وبالتالي، إنّ تصويت الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهوريّة ومن خلفه أولئك المحسوبين على "التيار الوطني الحُر"، حاسم بالنسبة إلى قوى "8 آذار"، لأنّها من دون تصويت إحدى هاتين المجموعتين على الأقل، لا تملك الثلث القادر على وقف القرارات الحُكوميّة، أقلّه نظريًا، باعتبار أنّ "الثنائية الشيعيّة" أرست في السابق نوعًا آخر من "حق النقض" تحت راية "الميثاقية" بدلاً من التصويت المُعطّل قانونيًا والمُحدّد في الدستور. أمّا في حال تصويت وزراء رئيس الجمهورية و"التيّار الوطني الحُرّ" و"الطاشناق" مع قوى "8 آذار" تصبح الأغلبيّة ساحقة لهم، وتستوجب توحّد كامل وزراء "المُستقبل" و"القوات" لوقف أي قرار حُكومي، عن طريق الثلث المعطّل.

في الخلاصة، القسمة الطائفيّة في الحكومة الثلاثينيّة المُقترحة مدروسة بعناية بين 15 وزيرًا مسيحيًا (6 موارنة و4 أرثوذكس و3 كاثوليك و2 أرمن) و15 مُسلمًا (6 شيعة و6 سنة و3 دروز). والخلاف هو على التوازنات السياسيّة داخل الحُكومة، حيث تحرص الثنائيّة الشيعيّة على تعزيز موقعها الوزاري بأكبر عدد مُمكن من الوزراء الواضحي الولاء، بمعزل عن تحالفها مع "التيار البرتقالي" وبطبيعة الحال مع "الجنرال" الذي يُفضّل حكومة مُصغّرة وليس فضفاضة.