الفترة الزمنيّة المُتوسّطة التي إستحوذها تشكيل الحكومة اللبنانيّة الجديدة رقم 74، جاءت نتيجة عمل أكثر من فريق سياسي أساسي على فرض توازنات سياسيّة داخليّة ثابتة، وليس نتيجة الخلافات على توزيع الحقائب فحسب. وبعد إعلان الحُكومة لا بُد من قراءة أوّلية سريعة لتحديد الفرقاء الرابحين والخاسرين فيها.

رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون رفض الرضوخ للضغوط التي مُورست لعدم تحويل مسألة نيل الرئاسة حصّة وزاريّة إلى عُرف، باعتبار أنّ هذا الأمر مُورس في العهود الماضية ومن غير المنطقي حرمان "الجنرال" منه بحجّة إمتلاكه لكتلة نيابيّة واسعة. وعلى الرغم ممّا قيل عن تحفّظات بشأن إختيار يعقوب الصرّاف لمنصب وزارة الدفاع، صدر مرسوم تعيينه من دون تردّد، ولوّ على حساب آمال الكثير من مُحبّي العماد عون الذين كانوا يرغبون برؤية العميد المُتقاعد شامل روكز في هذا الموقع. والأمر نفسه ينطبق على إختيار ​سليم جريصاتي​ وزيرًا للعدل على الرغم من بعض الإعتراضات في هذا الشأن نتيجة مواقف سابقة له بالنسبة إلى المحكمة الدَوليّة.

وعلى الرغم من الفصل الشكلي بين حصّة رئيس الجمهوريّة وحصّة "التيار الوطني الحُرّ" ، فإنّ التداخل واضح عمليًا بينهما. ولا شكّ أنّ "التيار الوطني الحُرّ" هو من بين أبرز الرابحين-كما رئيس الجُمهوريّة، حيث إحتفظ رئيس "التيّار" جبران باسيل بوزارة الخارجية والمُغتربين مع كل ما تُتيحه من علاقات دَوليّة مهمّة لمُستقبل شاغلها، وجرى تعيين مُستشاره السابق سيزار أبي خليل وزيرًا للطاقة والمياه، بهدف إستكمال المشاريع الخاصة بالكهرباء وبسدود المياه، بعد مُحاولات العرقلة والإعتراضات المُختلفة التي كانت جمّدت هذه المشاريع. وحظي القيادي "العَوني" ​بيار رفول​ بمنصب وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية.

حركة "أمل" التي إستفادت من موقع رئيسها، رئيس مجلس النواب نبيه برّي، هي من بين أبرز الرابحين كذلك الأمر، كونها حصلت خُصوصًا على وزارة المالية التي رفضت التنازل عنها، في محاولة منها لتحويل "التوقيع الشيعي"-إذا جاز التعبير، والمرافق لتوقيعي رئيس الجمهورية المسيحي الماروني ورئيس الحكومة السنّي على المراسيم، إلى عرف دائم.

"حزب الله" من بين الناجحين ليس على صعيد حجم التمثيل الوزاري أو طبيعة الحقائب التي أسندت له، بل على مُستوى تمكّنه من فرض إدخال "الحزب القومي السوري الإجتماعي" إلى التشكيلة الحُكوميّة، ومن منح "تيّار المردة"-وبمساعدة من حركة "أمل"، وزارة خدماتيّة مُهمّة قد تُساعده عشيّة الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، وذلك تعويمًا لحلفائه في قوى "8 آذار" الذين كانوا بدأوا يفقدون وهجهم وحُضورهم على الساحة الداخليّة إعتبارًا من العام 2005.

"تيّار المُستقبل" من بين الرابحين الأساسيّين أيضًا، كونه نجح في إعادة النائب ​سعد الحريري​ إلى موقع رئاسة الحكومة، بعد "فيتوات" كثيرة حرمته من ذلك في السنوات الماضية، وعلى الرغم من كل ما قيل عن تبدّل موازين القوى في لبنان نتيجة إرتدادات التغييرات العسكريّة الميدانية في سوريا، وتحديدا في مدينة حلب. ونال المُستقبل وزارات وازنة أيضًا، من بينها وزارة الداخليّة ووزارة الإتصالات، وكلاهما بطابع أمني بشكل أو بآخر.

حزب "القوّات اللبنانيّة" الذي أسفرت الضغوط التي مارسها "الثنائي الشيعي" عن حرمانه من وزارة سياديّة، على الرغم من أنّه كان توافق مع "التيّار الوطني الحُرّ" عشيّة الإنتخابات الرئاسية بأن تكون حصّته الوزارية مُوازية لحصّة "العَونيّين"، نجح في الحُصول على موقع نيابة رئاسة الحُكومة وعلى ثلاث وزارات هي: الصحّة والإعلام والشؤون الإجتماعيّة، إضافة إلى نجاحه في عدم إستبعاد حليفه النائب ميشال فرعون عن الحكومة ولوّ كوزير دولة لشؤون التخطيط، وليس في وزارة السياحة كما كان مُقرّرًا في البداية.

"الحزب التقدّمي الإشتراكي" نال بدوره وزارة التربية والتعليم العالي بدلاً من وزارة العدل، بعد عمليّة تبادل مع "التيار الوطني الحُرّ"، وهو فضّل أخذ وزارة دولة لشؤون حُقوق الإنسان ضمن حصّته الثنائيّة، إرضاء لرئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان الذي نال وزارة المُهجّرين، الأمر الذي من شأنه تحسين العلاقات أكثر فأكثر بين "الزعيمين" الدرزيّين التقليديّين، إضافة إلى تعزيز وضع أرسلان عشيّة الإنتخابات النيابيّة. وهذا ما يُفسّر غضب رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهّاب الذي يُعتبر من بين أبرز الخاسرين بفعل هذه التشكيلة الحكوميّة التي صبّت في صالح خصميه اللذين تقاربا لقطع الطريق عليه ونجحا في ذلك.

حزب "الكتائب اللبنانيّة" هو في طليعة الخاسرين على مُستوى الأحزاب، كون نُفوذه في السلطة التنفيذيّة تراجع من ثلاثة وزراء في الحكومة السابقة التي كانت تتكوّن من 24 وزيرًا، إلى غياب تام عن مجلس الوزراء الحالي. وإذا كان من حقّ حزب "الكتائب" أن يرفض ما عُرض عليه من وزارة متواضعة، وأن يسأل عن "المعيار" الذي إعتمد في عمليّة التشكيل ككل، فإنّ هذا الأمر قد يُدخله في متاهة الردّ على تساؤلات الكثيرين عن المعيار الذي إعتمد عندما حظي "الحزب" بحصّة من ثلاثة وزراء في الحكومة السابقة وهو الذي يملك كتلة من خمسة نوّاب في البرلمان، في مقابل تواضع الحصص الوزاريّة لكتل نيابيّة أكبر بكثير من كتلته، وغياب بعضها الآخر عن حكومة النائب تمام سلام. وفي كل الأحوال، إنّ حزب "الكتائب" الذي يعتمد سياسة تمايز منذ سنوات-بغضّ النظر إذا كان هذا التمايز مفهومًا أو مُبرّرًا أم لا، يُحضّر نفسه لخوض الإنتخابات النيابيّة من موقع المُعارضة، ويُحضّر نفسه أيضًا لعقد تحالفات إنتخابيّة بمواجهة أحزاب مسيحيّة مُشاركة في الحُكم.

في الختام، لا شكّ أنّ كل الأحزاب والتيارات التي شاركت في الحكومة الجديدة هي فائزة ولوّ بنسب متفاوتة، الأمر الذي يعكس دقّة التوازنات السياسيّة والطائفيّة القائمة في لبنان حاليًا. والملاحظ أنّ "تيّار المُستقبل" فرض نفسه ممُثلاُ ثابتًا للطائفة السنّية في لبنان، تمامًا كما أنّ "الثنائيّة الشيعيّة" المُمثّلة في "الحزب" والحركة" فرضت نفسها ممثًلاً للطائفة الشيعيّة. فهل يتحول التحالف الثنائي بين "العونيّين" و"القوّاتيّين" إلى مُعادلة ثالثة ثابتة، ستفرض نفسها في الحُكومات المُقبلة؟ الإجابة على هذا السؤال وعلى الكثير غيره تمرّ إلزاميًا بنتائج الإنتخابات النيابيّة المقبلة.