كثرت عملية طرح الاسماء في الحكومة الجديدة التي ابصرت النور فجأة مساء امس وعاكست توقعات الكثيرين بأنها ستتأخر لما بعد الاعياد، رغم طرح الجميع استعداده للاسراع في عملية التشكيل. ولكن من بين الاسماء التي اختفت وظهرت، لا يخفى وجود اسماء ثابتة لم تتغيّر مهما تعددت الصيغ والاعداد، ومن بينها ​نهاد المشنوق​.

اما سرّ ثبات هذا الاسم، فلا يعود الى كونه مفروضاً، بل لأنه نقطة التقاء بين الفرقاء الاساسيين المعنيين، ولا سيما رئيس الحكومة ​سعد الحريري​. فعلى خط تيار المستقبل، وقف المشنوق الى جانب الثاني في الاوقات الصعبة، وفي خضم الانقسامات التي شهدها التيار، لم يختر الانحياز الا الى الحريري، فهو غير متناغم مع رئيس كتلة "ألمستقبل" النيابيّة النائب فؤاد السنيورة منذ ما بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ومغادرته لبنان ليعود اليه لاحقاً، كما انه على تناقض واضح مع وزير العدل في الحكومة المستقيلة اللواء المتقاعد اشرف ريفي، ولم يركب اي قطار آخر سوى قطار الحريري الابن. هذا الامر جعله محط ثقة لدى الاخير وربما كان بالنسبة اليه "القطبة المخفيّة" التي أدّت الى نجاحه في الداخل رغم غيابه الطويل عن لبنان، بحيث كان المشنوق دائماً يعيد التذكير بالحريري وبدوره وهو وقف في وجه من استهدف رئيس تيار المستقبل من داخل التيار ومن خارجه.

ليس هذا فحسب، فلكي يكون الشخص بمثابة "قطبة مخفيّة"، عليه ان يوسع رقعته الجغرافية، وهذا ما قام به المشنوق، فهو تربطه علاقات ممتازة برئيس مجلس النواب نبيه بري، كما انه نجح في نسج علاقات متينة مع التيّار الوطني الحر ومع العماد ميشال عون تحديداً قبل ان يصبح الاخير رئيساً للجمهورية، كما انه شيّد جسر "الحد الادنى" من التنسيق مع حزب الله.

صحيح ان المشنوق اطلق كلاماً كبيراً بحق حزب الله في بعض الاحيان، كما انه كان يعتبر من صقور المستقبل في مجلس الوزراء مع التيار الوطني الحر ووزرائه، ناهيك عما حكي عن احراجه للحريري في قضية ترشيح الاخير لرئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجية، ولكن القراءة المتأنّية توضح ان هذه المواقف صبّت في خانة الحريري إن على الصعيد السياسي او على الصعيد الشعبي، كما انها لم تؤدّ الى قطع الصلات بينه وبين المعنيين بهذه المواقف، وهذا ما مهّد الساحة لتصل الى الواقع الحالي.

يمكن القول ان الحسّ الاستخباراتي الذي يملكه المشنوق ساعده في اتخاذ مواقفه، ولكن لا يجب ان يتم انكار ان رهانه السياسي كان موفّقاً، ناهيك عن أنّ أيّ خيوط لم تنقطع بينه وبين أيّ من الافرقاء اللبنانيين، وفي مقدّمهم حزب الله والتيار الوطني الحر وحتى رئيس الحزب "التقدّمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط، على اعتبار المصالح العامة للجميع، فهو رسّخ مكانته لدى تيار المستقبل على مستوى القيادة والقاعدة معاً كما ابقى "شعرة معاوية" مع الآخرين، وهذا يشكّل بحد ذاته ما يشبه القدرة على ان يكون المشنوق "القطبة المخفيّة" في مشاريع الحريري، وبالاخص في الحكومة الجديدة.

اما السبب الآخر لثبات المشنوق حكومياً وتحديداً في وزارة الداخلية، فهو يعود الى انه على باب الانتخابات النيابيّة، وفي ظل تواجد لبنان تحت المجهر بالنسبة الى هذا الاستحقاق، من الصعب تعيين وزير جديد للداخليّة والقاء هذه المهمة عليه في وقت قصير جداً. ليس الامر مستحيلاً بطبيعة الحال، ولكن من الاسهل الابقاء على الوزير الحالي في منصبه.

وفي حين ان ما قاله المشنوق عن قانون الستين دفع البعض الى التخوف من ان يكون هو من يتولى الترويج له، قد تكون المسألة مقصودة، وربما على غرار ما قاله عن مسألة ترشيح النائب فرنجية والدور السعودي في هذا المجال، بحيث اخذ الانظار الى مكان محدد. وهنا يبرز سؤال عن حقيقة هذا الامر، وهل هناك من مكان يرغب المشنوق في ان يضع الانظار عليه في هذا المجال، وهل يغمز من قناة احد ام انه يعمل مرة جديدة الى ابعاد الحريري عن هذه الكأس، علماً ان رئيس الحكومة قال بالامس من بعبدا انه ليس معارضاً بالمطلق للنسبيّة وانه يسير بها كما غيرها في البحث للوصول الى قانون جديد للانتخاب.