على ما يبدو لم يتردد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في تقديم الكثير من التنازلات من أجل العودة إلى السراي الحكومي، التي لم تتوقف عند الذهاب إلى تبني ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن سبق له دعم رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​، بل وصلت إلى حد الموافقة على تشكيل حكومة ذات أغلبية وازنة لتحالف قوى الثامن من آذار وتكتل "التغيير والإصلاح"، في حين اكتفى هو بالحصول على الثلث الضامن، بالتحالف مع حزب "​القوات اللبنانية​" والوزير ​ميشال فرعون​، مع العلم أن "القوات" باتت مرتبطة اليوم بتحالفها مع "التيار الوطني الحر" بشكل أساسي إلى حد بعيد.

على هذا الصعيد، كان من الواضح أن "الشيخ" عمد إلى إختيار ممثليه في الحكومة من الطائفة السنية بعناية فائقة، على قاعدة التحضير لخوض الإنتخابات النيابية المقبلة، فكان وزير الإتصالات جمال الجراح عن البقاع الغربي والداخلية والبلديات نهاد المشنوق عن بيروت والعمل محمد كبارة عن طرابلس والدولة لشؤون النازحين معين المرعبي عن عكار. في المقابل وضع "فيتو" على تسمية أي شخصية سنية من قوى الثامن من آذار، لا سيما رئيس حزب "الإتحاد" الوزير السابق عبد الرحيم مراد، بالتزامن مع التساهل في منح الوزير السادس إلى رئيس الجمهورية (وزير البيئة ​طارق الخطيب​) من أجل الحصول على مقعد ماروني لوزير الثقافة غطاس خوري.

في هذا السياق، تطرح مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، علامات الإستفهام حول خيارات الحريري، خصوصاً بالنسبة إلى التنازلات التي قدمها من أجل العودة إلى رئاسة الحكومة، وتؤكد بأنها كبيرة جداً مقابل ما حصل عليه، لا سيما لناحية إعطاء الأغلبية الوزارية لقوى الثامن من آذار وتكتل "التغيير والإصلاح"، في حين أن الأغلبية النيابية المنبثقة عن الإنتخابات الأخيرة، في العام 2009، لا تزال لصالح قوى الرابع عشر من آذار، وتسأل: "كيف سيتمكن من إدارة اللعبة على طاولة مجلس الوزراء في ظل التوازنات الجديدة؟ وهل سيكتفي يإمتلاك حق النقض، الذي لن يكون مؤمناً بشكل دائم؟"

بالنسبة إلى هذه القوى، رئيس الحكومة لم يفكر إلا بالعودة إلى السراي الحكومي ومواجهة خصومه على الساحة السنية، وتشير إلى أن الحريري على المستوى السياسي لا يمتلك إلا 7 وزراء، سيكون هدفهم مواجهة الحلفاء المفترضين على الشكل التالي: الجراح في مواجهة مراد في البقاع الغربي، المرعبي في مواجهة النائب خالد الضاهر في عكار، كبارة في مواجهة الوزير السابق أشرف ريفي في طرابلس، وتضيف: "مراد قدم العديد من الخطوات الإيجابية لتحسين العلاقة مع الحريري لكنه لم يحصل على أي شيء في المقابل، في حين أن كبارة لم يعلن الدخول في المواجهة مع ريفي إلا بعد أن قبض الثمن، بينما المرعبي كان حتى الأمس القريب على تناغم في مواقفه مع الضاهر".

على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى أن رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ ليس بوارد تقديم أي إيجابية في المرحلة المقبلة، والدليل البيان الصادر عنه يوم أمس، في وقت تشير أوساط مقربة منه، عبر "النشرة"، إلى أن رد الحريري عليه لا يعنيه، فهو غير مسؤول عن الغدر، إذ ان إسقاط حكومته الأخيرة حصل من منزل العماد عون في الرابية، وحينها لم يكن مطروحاً تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة بل فقط إسقاط الحريري، أما بالنسبة إلى القتل فمن الطبيعي أن لا يكون ميقاتي معنيا به، بل يمكن أن تكون الإشارة فيه إلى حلفائه وحلفاء حلفائه الجدد، وتضيف: "بالنسبة إلى إمكانية التحالف الإنتخابي في مدينة طرابلس لم يحسم الأمر"، وتقول: "let’s wait and see".

من جانبها، تفيد مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، أنه حتى الساعات الأخيرة من يوم التشكيل كان هناك ضغط لتسمية شخصية سنية من هذا الفريق، لكنها تشير إلى أن الفيتو جاء من الحريري نفسه، إلا أنها لا تخفي عتبها على باقي القيادات السياسية في البلاد، لا سيما رئيس الجمهورية، وتضيف: "ما حصل على صعيد إحتقار التمثيل السني دعسة ناقصة، ولو بادر رئيس الحكومة كان ليربح على عكس ما يحاول البعض أن يوحي له"، وتقول: "هناك 8 نواب سنة من خارج تيار "المستقبل" في المجلس النيابي، 3 منهم ينتمون إلى قوى الثامن من آذار".

وتؤكد هذه المصادر أن كلاًّ من "حزب الله" ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ضغطا في هذا المجال، لكن في اللعبة الطائفية والمذهبية هناك حرج، إلا أنها تكشف عن أن هناك بياناً سيصدر في الأيام المقبلة حول الموضوع عن بعض الشخصيات والقوى.

في المحصلة، على عكس أجواء الحوار التي كانت تطغى على الساحة السنية، في الفترة السابقة، يبدو أن التنافس الإنتخابي سيكون عنوان المرحلة المقبلة، إنطلاقاً من التركيبة الحكومية التي وضعت من جانب الحريري لهذه الغاية.