لم يعد إنخراط المرأة في الميدان السياسي بالدول المتقدمة مدعاة للإستهجان. فقبل اسابيع كانت الولايات المتحدة الأميركية قاب قوسين من تسليم مفاتيح البيت الأبيض إلى مرشّحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون قبل ان تعود وتخسر الإنتخابات لصالح منافسها دونالد ترامب. وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية أمر ضروري لاكتمال تمتعها بالمواطنة ومراعاة حريتها العامة، إلا أن دورها السياسي في بلداننا العربية يبقى محدوداً إلى حد كبير مع تبنّي الديمقراطية والمساواة بين الرجل والمرأة كمبادئ نظريّة فقط. وقد فشلت العديد من الدول العربية ومنها لبنان بإقرار نظام الحصص أو ما يعرف بنظام "الكوتا" كتدبير مرحلي لتحسين مشاركة المرأة في البرلمان، كما فشلت بتمثيل المرأة في الحكومات.

في لبنان تعتبر مشاركة المرأة في الحياة السياسية خجولة فتحظى اللبنانيات بنسبة 3,1% من حجم التمثيل في البرلمان، أي ما يعادل 4 مقاعد من اصل 128، في حين تتّسم المشاركة الوزارية للمرأة اللبنانية بالمحدوديّة، فتشكل الحكومات من 30 وزيراً وتعطى اللبنانيات مقعداً وزارياً واحداً .

ومع إنطلاقة العهد الجديد وتكليف سعد الحريري لتشكيل الحكومة، إنتظر اللبنانيون ليروا إن كانت ستحمل تشكيلة الحريري الوزراية جديداً على صعيد توزير النساء. فلم تمرّ لحظات على تلاوة المدير العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل مرسوم تشكيل حكومة الحريري مساء الاحد، حتى ضجّت مواقع التواصل الإجتماعي بالتعليقات التي إنقسمت كالعادة بين مرحب ومعترض.

وبالرغم من أن التعليقات الساخرة طالت الحكومة ككل شكلاً من حيث الأسماء والوزارات، ومضموناً بإعتبار ان الحكومة الجديدة ستكون شبيهة بسابقاتها من الحكومات المتعاقبة، إلا أن النصيب الأوفر من التعليقات إنصبّت على وزارة الدولة لشؤون المرأة والتي تولاها رجل. فقد حاز جان اوغاسابيان على منصب وزير الدولة لشؤون المرأة في الحكومة الجديدة المؤلفة من 30 وزيرا، ضمنهم امرأة واحدة وهي "​عناية عز الدين​" وزيرة دولة لشؤون التنمية الادارية من حصة حركة "أمل".

وفي هذا الإطار توالت التعليقات على مواقع التواصل الإجتماعي فنشر الكوميدي شربل خليل صورة لرجل متنكر بزي إمرأة وذيّلها بعبارة "بعد تعيينه وزيرا لشؤون المرأة، أول صورة للوزير ​جان أوغاسابيان​"، في حين أشار الإعلامي يزبك وهبي إلى أن "لبنان أهم الغرائب في الحكومة الجديدة أنّ هناك رجلا وزير دولة لشؤون المرأة، مع التقدير الكبير للوزير جان أوغاسابيان". وتواصل مسلسل الإستهجان فأعتبرت المغردة هدى من "الغريب ان لا أحد يسأل عن كفاءة الرجال في الحكومة! أما المرأة فنبحث لها عن سيرة ذاتية طويلة لتكون مقنعة كأننا نقوم بجريمة"!. ورأى آلان في تغريدة له تحت هاشتاغ "لتدعم المرأة" أنه "كان يجب الإتيان بفارس بريجيت باردو سعيد وزير دولة لشؤون المرأة وليس جان اوغاسابيان".

وفي تعليق طريف سألت عايدة: "اين تمثيل المرأة في الحكومة العتيدة"، مضيفة "في الحياة العادية يقولون امرأة واحدة لا تكفي لماذا في تأليف الحكومة وزيرة واحدة تكفي"؟. من جهتها شددت بولا على أن "الفضيحة الاكبر بعملية تشكيل الحكومة هي تعيين وزير ذكر لوزارة تعنى بشؤون المرأة"، وبدورها دعت مريم "للتفاؤل بأن تنجز الحكومة العتيدة قانونا إنتخابيا جديدا يراعي النسبية ويكون للمرأة التمثيل الأكبر في حكومة لبنان القادمة”، ورأى فادي أن "تعيين رجل في وزارة تعنى بشؤون النساء يؤكد ان الرجال أدرى بمصلحة النساء".

ولم ينجُ الوزير جان اوغاسابيان من التعليقات فنال حصة وفيرة من التهكّم، مما دفع بعض المغردين إلى إعتبار الهجوم الشخصي على الوزير غير أخلاقي، خصوصاً أن لا ناقة له ولا جمل في موضوع توزيره. وكتبت المغردة نادين التالي: "بالنسبة للاعتراض على وزارة المرأة، لسيت المشكلة ان يكون جان اوغاسابيان او اي رجل آخر هو وزير الدولة لشؤون المرأة"، مضيفة "اساساً مطلبنا الاساسي هو أن يتغير مفهوم حقوق المرأة من مطلب فئوي، لمطلب اجتماعي مدعوم من الرجل والمرأة وهذه اساس مشكلتنا مع هالوزارة فحقوق المرأة ليست منفصلة عن باقي الحقوق حتى يفرز لها وزارة"، مؤكدة أن "هذا المطلب لم يكن في يوم من الايام على اجندة الحركات المطالبة بحقوق المرأة في لبنان".

وفي الختام، تبقى الحملات على مواقع التواصل الإجتماعي حبراً إلكترونياً على جدران عالم إفتراضي، ولا بد من سلسلة خطوات ميدانية في العالم الواقعي تكون الحملات الإلكترونية سنداً لها وليست بديلاً عنها لتفعيل دور المرأة في الحياة السياسية في لبنان. فالخطابات الرنانة لا تغني ولا تسمن من جوع، فألف منشور على فايسبوك لا يردّ الحقوق، وكي نكون واقعيين لا بد من إستعادة الدور بشكل تدريجي بدءًا من اقرار "الكوتا" كتدبير موقّت لفتح الباب أمام المرأة للحصول على حقها في التمثيل وصولاً إلى الإضاءة على دور الأحزاب الاساسي في هذا المجال لناحية تعبيد الطريق للمرأة في الترشح على قوائمها في الإنتخابات البرلمانية والبلدية وفي مختلف النقابات.