ليس من المنصف الحكم على الامور اياً تكن من حيث الشكل دون الولوج الى المضمون، او قبل ان يتسنى معرفة القدرات والقرارات والمواقف. لم تأخذ الحكومة الجديدة بعد صورتها التذكارية، وبالتالي يصح فيها ما ذكر سابقاً لجهة عدم وجوب الحكم عليها من شكلها كونها لم تجتمع بعد ولو للتعارف بين اعضائها، فيما ستنبثق منها اليوم لجنة لإعداد البيان الوزاري لحمله معها الى مجلس النواب.

هذا الامر لا ينفي ان ثمة ملاحظات رافقت تشكيل هذه الحكومة وظهرت بعد الاعلان عن اسماء اعضائها، وقد يكون من المفيد التوقف عند بعضها:

-كانت ولادة الحكومة سريعة في كل المقاييس، وحتى في مقياس التوقيت اذ انها لم تنتظر انتهاء الاسبوع لتبدأ عملها، بل استعجلت خروجها الى العلن بشكل رسمي مساء الاحد ما يدلّ على رغبة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في أمرين: الاول هو استثمار عامل الوقت بشكل تام والتدليل على ان الحكومة محلية الطابع ولبنانية الانتماء، والثاني هو القلق من امكان ظهور عراقيل او مطبات جديدة قد تؤدي الى اعادة الامور الى نقطة البداية او اضفاء مزيد من الاجواء السلبية التي تعرقل التشكيل.

-اراد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ التأكيد ان عمر الحكومة قصير، بما يبث الاطمئنان في نفوس الجميع، وخصوصاً الذين لم يشاركوا فيها، بأن فرصتهم لم تنته وان مشاركتهم في الحكومات المقبلة مفتوحة وواردة، كما انه ارسل رسالة مبطّنة الى من اعتبروا ان الحكومة شكلت هزيمة له، بامكان رد الاعتبار عبر الانتخابات النيابية.

ولم يكن قوله "ان تشكيلة هذه الحكومة، لم تأت لتثبيت سوابق او لتكريس اعراف" موفقاً، فهي كرّست ثوابت لناحية الحصص واتّبعت في مكان ما منطقاً يكاد يتحول الى اعراف من خلال الهوية الطائفية لبعض الحقائب، وهذا أمر لا بدّ منه عند تشكيل الحكومات في لبنان، ولا يبدو انه سيتغيّر في المدى المنظور.

-اعطيت الحكومة في الشكل اكثر مما تحتمل، فمعالجة قضايا ​النفايات​ والكهرباء والماء في فترة قصيرة امر غير منطقي، خصوصاً وان هدفها التوصل الى قانون انتخابات جديد وفق ما عرّف عنها رئيسها. وبالتالي، فإن توقع معالجة هذه الامور او البدء في حلها ليس في متناول اليد، على الاقل وفق الخبرات السابقة التي عاينها اللبنانيون.

-الطمأنة الى عدم الانتظار طويلاً من اجل وضع البيان الوزاري، كان ايضاً لافتاً لانه اتى بعد موقف للحريري اعتبر فيه ان وجود النازحين السوريين هو بسبب هروبهم من "الوحشية التي تقف حلب اليوم شاهداً عليها" وهذا القول بذاته يشكل انقساماً في مواقف اللبنانيين. وقد يكون الامر انه اراد ان يوصل للبعض بأن عدداً من الثوابت السياسية التي يتبناها لن يتم التنازل عنها ولو اتى البيان الوزاري غامضاً في هذه الناحية. ولكن السؤال يبقى: هل سيكون من المتاح تطبيق هذا الموقف عملياً ام سيتم الاكتفاء به نظرياً؟

-تبقى المسألة الاهم وهي ​قانون الانتخاب​. وقد بدا واضحاً اصرار الحريري على ان العمل قد بدأ بالفعل من اجل الوصول الى هذا القانون، من خلال قوله انه خلال المشاورات لتشكيل الحكومة تطرق الى هذه المسألة مع النواب. وهذا الكلام يتطابق مع ما قيل عن رغبة الرئيس عون بالبحث في هذا الموضوع بالتزامن مع البحث في التشكيلة الحكومية. ولكن التلميح الابرز كان لجهة ترحيب الحريري باعتماد النسبية، ما يعني انه تبناها بشكل غير رسمي، وبدأ تحضير تياره السياسي للوصول الى هذه النقطة. ولكن بما اننا في لبنان، فليست الامور كما تبدو عليه في الواقع، ولن تكون بهذه البساطة حتماً، لان معطيات عدة كفيلة بقلب الموضوع رأساً على عقب، والمراهنون على قانون الستين من مختلف التيارات والاحزاب لم يعلنوا استسلامهم بعد، ومنهم من ينادي زوراً باعتماد قانون جديد فيما "حنينه الى اول منزل" اي قانون الستين.