مرت فترة انتخابات رئيس الجمهورية ميشال عون وتسمية رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ لرئاسة الحكومة اللبنانية وتشكيل هذه الحكومة بسلالة، رغم كل ما حصل من "خلافات" حول مسألة توزيع الحقائب، بالرغم من "الأجواء العاصفة" في المنطقة. هذا الأمر أثار استغراب اللبنانيين وبعض الدول العربية والغربية المعنية بالملف اللبناني، الى الحد الذي دفع بأحد المسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية للقول لـ"النشرة" بأن "الاتفاق" اللبناني-اللبناني قبل انتخاب عون كان صلبا ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تقف في وجهه لأن موجبات عقده كانت داخلية حصرا.

يتفق المراقبون على أن تحقيق هذه الإنجازات ما كان ليحصل لولا موافقة المحور الذي يمثله حزب الله، وتحديدا بالشق المتعلق بالحكومة اللبنانية، وتسمية "الخصم" اللبناني الأشرس للنظام السوري سعد الحريري رئيسا لمجلس الوزراء، الأمر الذي طرح تساؤلات عديدة حول سبب التغيير المفاجىء الذي طرأ على موقف الحزب من الحريري، والهدف من هذه التنازلات السياسية التي بدأت "تُرهق" بيئة الحزب وجمهوره.

يوضح مصدر قريب من "حزب الله" أن الأخير أبدى ليونة تجاه ترؤس الحريري للحكومة الحالية من دون ان يسميه، متحمّلا بذلك "غضب" جمهوره، لما كان لهذه الليونة من "أهمية قصوى" في طيّ ملف "الانتخابات الرئاسية" ووصول الرئيس ميشال عون الى سدة الرئاسة. ويضيف المصدر في حديث لـ"النشرة": "إن حزب الله رأى أن وصول عون الى قصر بعبدا هو انتصار كامل لخطه، وبالتالي لا ضير من تحمل بعض "الأضرار الجانبية" التي تتمثل بوصول الحريري لرئاسة الحكومة لأشهر قليلة، ولو لم يكن هذا القرار مناسبا لجمهور الحزب ومشاعره".

يدرك حزب الله تماما أن بيئته الشعبية تتقيد بنسبة كبيرة جدا بما تقوله القيادة، ولكنه يدرك أيضا أن هذه البيئة سئمت من تقديم التنازلات السياسية، بدءا من مرحلة ما بعد حرب تموز، يوم ثبت عبر "ويكيليكس" تورط سياسيين لبنانيين بالحرب على لبنان، وصولا الى مرحلة الحرب السورية، حيث انقسم لبنان بين معسكرين متباعدين، فالحزب لم يستثمر يوما في السياسة ما حققه من انتصارات سواء على الاسرائيلي أو على الإرهاب التكفيري وداعميه. وفي هذا السياق يرى المصدر أن بيئة الحزب التي تقبّلت على مضض عودة الحريري الى السراي الحكومي بعد الانتصار بوصول عون الى بعبدا، إكتفت من "الديون"، معتبرة أنها أتمّت واجباتها السياسية تماما كما واجباتها العسكرية في حماية لبنان، وبالتالي لن تتقبّل أن يكون الحريري نفسه رئيسا لحكومة ما بعد الانتخابات النيابية، دون دفع أثمان سياسية باهظة قد يكون أقلها وقف التعرض كلاميا للمقاومة ورجالها وسلاحها"، محذرا من خطورة استمرار حزب الله بسياسة "التنازل السياسي" لما في ذلك من تأثير سلبي على مجتمعه.

"ما المانع من وصول الوزير الطرابلسي السابق فيصل كرامي الى رئاسة الحكومة؟"، يسأل أحد الكوادر في حزب الله عبر "النشرة"، مشيرا الى أن "الحجة التي كانت تستعمل سابقا لناحية التمثيل "الطائفي" سقطت في الانتخابات البلدية الأخيرة وتسقط كل يوم في رفض تيار المستقبل لاعتماد النسبية في ال​قانون الانتخاب​ي لأنه يدرك استحالة بقائه ممثلا وحيدا للطائفة السنية في لبنان، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام وصول آخرين الى السراي الحكومي". وفي نفس الإطار يرى المصدر "أن بيئة حزب الله التي تدفع الدم في سبيل لبنان وامنه واستقراره، يحق لها أن ترى رئيسا للحكومة يمثلها، لا رئيسا يسيء إليها في كل يوم، ولذلك كان أمينه العام السيد حسن نصر الله واضحا يوم قال "لا مانع لدينا من ترؤس الحريري لهذه الحكومة"، فنصرالله لم يقل كلمة "للحكومة" بل "لهذه الحكومة"، وهناك فرق شاسع بين العبارتين"، مشيرا الى أن ما بعد الانتخابات النيابية لن يكون كما قبلها وما رضي به الحزب اليوم في السياسة لن يرضى به مجددا، خصوصا وأن "الانتصار" في سوريا أصبح قريبا للمحور الذي يضم حزب الله.

بعد تشكيل الحكومة دخل البلد مرحلة جديدة قد يكون "قانون الانتخاب" هو عنوانها الأبرز، فهذا القانون بظل التحالفات القائمة اليوم سيكون مقدمة لمجلس نيابي جديد وحكومة جديدة، يقول مسؤولو التيار الوطني الحر بأنها ستحمل إسم "حكومة العهد الأولى"، فهل يعيد حزب الله "الكرّة" ويترك الساحة السياسية اللبنانية ملعبا مفتوحا للخصوم؟.